عليه في النار فوضعه تحت قدمه ، وهي عندهم أعظم علامات الترك لدين النصرانية والوفاء بذمة دين الاسلام ، وتزوج ابنة العم المذكورة وبلغ هواه ، وأخذ جيوش المسلمين معه الى القسطنطينية فدخلها بهم وقتل من أهلها نحو الخمسين الفا من الروم ، وأعانه الإغريقيون على فعله ، وهم فرقة من أهل الكتاب وكلامهم بالعربية ، وبينهم وبين سائر الفرق من جنسهم عداوة كامنة ، وهم لا يرون أكل لحم الخنزير ، فشفوا نفوسهم من أعاديهم ، وقرع الله نبع الكفر بعضه ببعض واستولى المسلمون على القسطنطينية ونقلت أموالها كلها ، وهي ما لا يأخذه الإحصاء ، الى الأمير مسعود ، وجعل من المسلمين فيها ما ينيف على الاربعين الف فارس ، واتصلت بلادهم بها. وهذا الفتح ، اذا صح ، من أكبر شروط الساعة ، والله اعلم بغيبه.
ألفينا هذا الحديث بهذه الجزيرة مستفيضا على ألسنة المسلمين والنصارى محققين له لا شك عندهم فيه ، أنبأت به مراكب الروم التي وصلت من القسطنطينية. وكان أول سؤال مستخلف الملك بالمدينة لنا ، يوم احضرنا لديه عند دخولنا المدينة ، عما عندنا من خبر القسطنطينية ، فلم يكن عندنا علم ولا تعرفنا معنى السؤال عنها الا بعد ذلك. وتحققوه أيضا من جهة ملكها هذا الصبي وما كان من اتباع الثائر عليه اياه عيونا يروم اغتياله. فهو اليوم بسبب ذلك عند صاحب صقلية محترس محافظ عليه ، لا يكاد يصل لحظ العيون إليه.
وأخبرنا أنه رطيب غصن الصبا ، محتدم حمرة الشباب ، صقيل رونق الملك ، عليه ناظر في علم اللسان العربي وغيره ، بارع في الأدب الملوكي ، ذو دهاء على فتوة سنه وغمرية شبيبته ، فالملك الصقلي على ما يذكر يروم توجيه الأسطول المذكور الى القسطنطينية أنفة لهذا الصبي المذكور ، وما جرى عليه ، وكيفما توجه الأمر فيه من هذه المقاصد فالله عزوجل ينكصه خاسرا على عقبه ، ويعرفه شؤم مذهبه ، ويجعل قواصف الرياح خاسفة به ، انه على ما يشاء قدير. وهذا الخبر القسطنطيني ، حققه الله ، من أعظم عجائب الدنيا وكوائنها المرتقبة ، ولله القدرة البالغة في أحكامه وأقداره.
شهر ذي القعدة
استهل هلاله ليلة الاثنين الرابع من شهر فبرير ونحن بمدينة اطرابنش ، المتقدم