ذكرها ، منتظرين انسلاخ فصل الشتاء وإقلاع المركب الجنوي الذي أملنا ركوبه الى الأندلس ، ان شاء الله عزوجل ، والله سبحانه ييمن مقصدنا وييسر مرامنا بمنه وكرمه.
وفي مدة مقامنا بهذه البلدة تعرفنا ما يؤلم النفوس تعرفه من سوء حال أهل هذه الجزيرة مع عباد الصليب بها ، دمرهم الله ، وما هم عليه معهم من الذل والمسكنة ، والمقام تحت عهدة الذمة ، وغلظة الملك ، الى طوارىء دواعي الفتنة في الدين على من كتب الله عليه الشقاء من ابنائهم ونسائهم. وربما تسبب الى بعض اشياخهم أسباب نكالية تدعوه الى فراق دينه ، فمنها قصة اتفقت في هذه السنين القريبة لبعض فقهاء مدينتهم التي هي حضرة ملكهم الطاغية ، ويعرف بابن زرعة ، ضغطته العمال بالمطالبة حتى أظهر فراق دين الإسلام والانغماس في دين النصرانية ، ومهر في حفظ الإنجيل ومطالعة سير الروم وحفظ قوانين شريعتهم ، فعاد في جملة القسيسين الذين يستفتون في الأحكام النصرانية ، وربما طرأ حكم اسلامي فيستفتى أيضا فيه لما سبق من معرفته بالأحكام الشرعية ، ويقع الوقوف عند فتياه في كلا الحكمين ، وكان له مسجد بإزاء داره أعاده كنيسة ، نعوذ بالله من عواقب الشقاوة وخواتم الضلالة ، ومع ذلك فاعلمنا أنه يكتم ايمانه. فلعله داخل تحت الاستثناء ، في قوله : «الا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان».
ووصل هذه الأيام الى هذه البلدة زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين وسيدهم القائد ابو القاسم بن حمود ، المعروف بابن الحجر ، وهذا الرجل من اهل بيت بهذه الجزيرة توارثوا السيادة كابرا عن كابر ، وقرر لدينا مع ذلك أنه من أهل العمل الصالح ، مريد للخير ، محب في أهله ، كثير الصنائع الأخروية من افتكاك الأسارى ، وبث الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج ، الى مآثر جمة ، ومناقب كريمة ، فارتجت هذه المدينة لوصوله ، وكان في هذه المدة تحت هجران من هذا الطاغية الزمه داره بمطالبة توجهت عليه من أعدائه افتروا عليه فيها أحاديث مزورة نسبوه فيها الى مخاطبة الموحدين أيدهم الله ، فكادت تقضي عليه لو لا حارس المدة ، وتوالت عليه مصادرات أغرمته نيفا على الثلاثين ألف دينار مؤمنية ، ولم يزل يتخلى عن جميع دياره وأملاكه الموروثة عن سلفه حتى بقي