أنهم يزعمون أنه لو تنصر لما بقي في الجزيرة مسلم الا وفعل فعله اتباعا له واقتداء به ، تكفل الله بعصمته جميعهم ونجاهم مما هم فيه بفضله وكرمه.
ومن أعجب ما شاهدناه من أحوالهم التي تقطع النفوس اشفاقا وتذيب القلوب رأفة وحنانا أن أحد أعيان هذه البلدة وجه ابنه الى أحد أصحابنا الحجاج راغبا في أن يقبل منه بنتا بكرا صغيرة السن قد زاهقت الإدراك ، فإن رضيها تزوجها وإن لم يرضها زوجها ممن رضي لها من أهل بلده ، ويخرجها مع نفسه راضية بفراق أبيها واخوتها طمعا في التخلص من هذه الفتنة ورغبة في الحصول في بلاد المسلمين. فطاب الأب والإخوة نفسا لذلك لعلهم يجدون السبيل للتخلص الى بلاد المسلمين بأنفسهم اذا زالت هذه العقلة المقيدة عنهم. فتأجر هذا الرجل المرغوب إليه بقبول ذلك وأعنّاه على استغنام هذه الفرصة المؤدية الى خير الدنيا والآخرة. وطال عجبنا من حال تؤدي بإنسان الى السماح بمثل هذه الوديعة المعلقة من القلب وإسلامها الى يد من يغرّبها واحتمال الصبر عنها ومكابدة الشوق اليها والوحشة دونها ، كما أنا استغربنا حال الصبية ، صانها الله ، ورضاها بفراق من لها رغبة في الإسلام واستمساكا بعروته الوثقى ، والله عزوجل يعصمها ويكفلها ويؤنسها بنظم شملها ويجمل الصنع لها بمنه. واستشارها الأب فيما هم به من ذلك فقالت له : ان أمسكتني فأنت مسئول عني. وكانت هذه الصبية دون أم ولها أخوان وأخت صغيرة أشقاء لها.
شهر ذي الحجة
غمّ هلاله علينا لتوالي الأنواء ، فأكملنا أيام شهر ذي القعدة بحسابه من ليلة الأربعاء السادس لشهر مارس ونحن بهذه المدينة المذكورة طامعين في قرب السفر مستبشرين بطيب الهواء ، والله ييسر مرامنا ويتكفل بسلامتنا بعزته. واتفق أن أبصرنا الهلال ليلة الأربعاء كبيرا ، فعلم أنه من ليلة الثلاثاء ، فانتقل حساب الشهر اليها.
وفي ظهر يوم الأربعاء التاسع من الشهر المذكور ، والثالث عشر من مارس ، وهو يوم عرفة ، عرفنا الله بركته وبركة الموقف الكريم فيه بعرفات ، كان صعودنا الى المركب ، يمنه الله ورزقنا السلامة فيه ، مبيتين للسفر ، قرب الله علينا مسافته ، فأصبحنا على ظهر المركب صبيحة يوم عيد الأضحى ، نفعنا الله