ثم أقلعنا منه عشي يوم الجمعة بعده منفردين دون المراكب المذكورة. فأزعجتنا ريح شديدة خرق لها المركب في الجري ، فأصبحنا يوم الأحد السابع والعشرين من الشهر ونحن على طرف جزيرة سردانية وقد قطعناها جريا ، وطولها أزيد من مئتي ميل ، فاستبشرنا وسررنا. وقدر للمركب في يوم وليلتين قطع نيف على خمس مئة ميل ، فكان أمرا مستغربا ، ثم ان الريح الموافقة ركدت عنا وهبت ريح أسقطتنا ليلة الاثنين الثامن والعشرين منه ، وهو أول أبريل ، الى جهة بر إفريقية ، فأرسينا يوم الاثنين المذكور بجزيرة تعرف بخالطة ، وهي جزيرة غير معمورة ، ويقال : انها كانت معمورة ، في القديم ، وهي مقصد العدو ، وبينها وبين البر المذكور نحو ثلاثين ميلا ، وهو منا رأي العين ، فأقمنا بها بعد أهوال لقيناها في دخول مرساها ، عصم الله منها ، وتوالت الأنواء علينا فيها ونحن ننتظر فرجا من الله تعالى. وكان مقامنا فيها أربعة أيام ، آخرها يوم الخميس مستهل محرم.
شهر محرم سنة إحدى وثمانين
غمّ هلاله علينا فحسبناه على الكمال من ليلة الخميس الرابع لشهر أبريل ، عرّفنا الله بركة هذه السنة ويمنها ورزقنا خيرها ووقانا شرّها ومنّ علينا بنظم الشمل فيها ، انه سميع مجيب.
وفي ليلة الجمعة الثاني منه أهب الله علينا ريحا شرقية أقلعنا بها ، وهي لينة رخاء ، الى ان استشرت فعادت ريحا شديدة جرى بها المركب أقوى جري وأعدله ، وما زلنا منذ ركبنا البحر نتنسم هذا الأفق الشرقي شوقا الى ريحه فلا يهب منه نسيم حتى خلناه لعدمه عنقاء مغربا ، الى أن تداركنا الله بلطفه وجميل صنعه فأجراه لنا الآن في شهر نيسان ، عرّفنا الله السلامة بمنه وكرمه.
وصحبتنا هذه الريح الشرقية نحو يومين سرنا فيهما سيرا حثيثا ، وتركنا جزيرة سردانية عن يميننا ، ثم تلاعبت بنا الرياح المختلفة فأقمنا بها نضرب البحر طولا وعرضا ولا يتراءى لنا بر حتى ساءت ظنون وتوهمنا اسقاط الرياح لنا الى جهة بر برشلونة ، دمرها الله ، الى أن أذن الله بالفرج فأبصرنا بر جزيرة يابسة ليلة السبت العاشر من الشهر المذكور ، ونحن لا نكاد نتبينه لبعد خيالا خفيا ، فلما كان يوم السبت المذكور بان لنا ، فدخلنا مرسى الجزيرة المذكورة مع الليل بعد مكابدة اختلاف الرياح في دخوله. فأرسينا والمدينة منا على مقدار اربعة أميال ، وكان إرساؤنا بازاء فرمنتيرة وهي منقطعة عن جزيرة يابسة وبينهما