مقدار أربعة أميال أو خمسه ، وفيها قرى كثيرة معمورة ، فأقمنا بمرساها ونحن بمقربة من الجبلين المنقطعين المتناظرين المعروفين بالشيخ والعجوز. وفي تلك الليلة مع المغيب أبصرنا جبال بر الأندلس ، وأقربها منا جبل دانية المعروف بقاعون. فحدقت الأبصار لهذا البر سرورا بمرآه واستبشرت الأنفس بالدنو منه. وأصبحنا يوم الأحد الحادي عشر من الشهر بالمرسى المذكور والريح غربية ونحن ننتظر تتميم الصنع الجميل من الله عزوجل بإرسال الريح الموافقة ، نشرا بين يدي رحمته ان شاء الله.
وفي ضحوة يوم الثلاثاء الثالث عشر منه أقلعنا على اليمن والبركة بريح شرقية لينة المهب لها نفس خافت ، داعين لله عزوجل في احياء ذمائها ، وتقوية اجرائها ، وجبال دانية أمامنا رأي العين ، والله يتمم فضله علينا ، ويكمل صنعه بعزته لنا. وتمادت وانتشرت بفضل الله تعالى ، فنزلنا بقرطاجنّة عشي يوم الخميس الخامس عشر منه ، شاكرين لله على ما من به من السلامة والعافية ، والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على محمد خاتم النبيين ، وامام المرسلين. ثم أقلعنا منها اثر صلاة الجمعة السادس عشر منه فبتنا في فحص قرطاجنة بالبرج المعروف ببرج الثلاثة صهاريج ، ثم منه يوم السبت الى مرسيه ، ومنها في اليوم بعينه الى البرالة ، ثم منها يوم الأحد الى لورقة ، ثم منها يوم الاثنين الى المنصورة ، ثم منها يوم الثلاثاء الى قنالش بسطة ، ثم منها يوم الاربعاء الى وادي آش ، ثم منها يوم الخميس الثاني والعشرين لمحرم ، والخامس والعشرين لأبريل ، الى المنزل بغرناطة :
فألقت عصاها واستقر بها النوى |
|
كما قر عينا بالإياب المسافر |
والحمد لله على الصنع الجميل الذي أولاه ، والتيسير والتسهيل الذي والاه ، وصلواته على سيد المرسلين الأولين منهم والآخرين محمد رسوله الكريم ومصطفاه ، وعلى آله وأصحابه الذين اهتدوا بهداه ، وسلم وشرّف وكرّم. فكانت مدة مقامنا من لدن خروجنا من غرناطة الى وقت ايابنا هذا عامين كاملين وثلاثة أشهر ونصفا ، والحمد لله رب العالمين.