البحر واختلاف رياحه وكثرة شعابه المعترضة فيه. ومنها ما كان يطرأ من ضعف عدة المركب واختلالها واقتصامها المرة بعد المرة عند رفع الشراع أو حطه أو جذب مرساة من مراسيه ، وربما سنحت الجلبة بأسفلها على شعب من تلك الشعاب أثناء تخللها فنسمع لها هدا يؤذن باليأس ، فكنا فيها نموت مرارا ونحيا مرارا ، والحمد لله على ما منّ به من العصمة وتكفل به من الوقاية والكفاية حمدا يبلغ رضاه ويستهدي المزيد من نعماه ، بعزته وقدرته ، لا اله سواه.
وكان نزولنا فيها بدار القائد عليّ وهو صاحب جدة من قبل أمير مكة المذكور ، في صرح من تلك الصروح الخوصية التي يبنونها في أعالي ديارهم ويخرجون منها الى سطوح يبيتون فيها. وعند احتلالنا جدة المذكورة عاهدنا الله عزوجل ، سرورا بما أنعم الله به من السلامة ، الا يكون انصرافنا على هذا البحر الملعون الا ان طرأت ضرورة تحول بيننا وبين سواه من الطرق ، والله وليّ الخيرة في جميع ما يقضيه ويسنيه بعزته.
جدة
وجدة هذه قرية على ساحل البحر المذكور اكثر بيوتها اخصاص ، وفيها فنادق مبنية بالحجارة والطين وفي اعلاها بيوت من الأخصاص كالغرف ، ولها سطوح يستراح فيها بالليل من أذى الحر. وبهذه القرية آثار قديمة تدل على أنها كانت مدينة قديمة ، وأثر سورها المحدق بها باق الى اليوم. وبها موضع فيه قبة مشيدة عتيقة يذكر أنه كان منزل حواء أم البشر ، صلى الله عليها ، عند توجهها الى مكة ، فبني ذلك المبنى عليه تشهيرا لبركته وفضله ، والله أعلم بذلك.
وفيها مسجد مبارك منسوب الى عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، ومسجد آخر له ساريتان من خشب الآبنوس ينسب ايضا إليه ، رضياللهعنه ، ومنهم من ينسبه الى هارون الرشيد ، رحمة الله عليه.