لربيع المذكور ، وهو الرابع من شهر أغشت ، على باب العمرة ، وكان إسراؤنا تلك الليلة المذكورة ، والبدر قد القى على البسيطة شعاعه ، والليل قد كشف عنا قناعه ، والأصوات تصك الآذان بالتلبية من كل مكان ، والألسنة تضج بالدعاء وتبتهل الى الله بالثناء ، فتارة تشتد بالتلبية ، وآونة تتضرع بالأدعية.
فيا لها ليلة كانت في الحسن بيضة العقر ، فهي عروس ليالي العمر وبكر بنيات الدهر. الى أن وصلنا ، في الساعة المذكورة من اليوم المذكور ، حرم الله العظيم ومبوّأ الخليل ابراهيم. فألفينا الكعبة الحرام عروسا مجلوة مزفوفة الى جنة الرضوان محفوفة بوفود الرحمن ، فطفنا طواف القدوم ، ثم صلينا بالمقام الكريم وتعلقنا بأستار الكعبة عند الملتزم ، وهو بين الحجر الأسود والباب ، وهو موضع استجابة الدعوة. ودخلنا قبة زمزم وشربنا من مائها وهو لما شرب له ، كما قال ، صلىاللهعليهوسلم. ثم سعينا بين الصفا والمروة ، ثم حلقنا واحللنا. فالحمد لله الذي كرمنا بالوفادة عليه وجعلنا ممن انتهت الدعوة الإبراهيمية اليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكان نزولنا فيها بدار تعرف بالنسبة الى الحلال قريبا من الحرم ، ومن باب السدة احد ابوابه في حجرة كثيرة المرافق المسكنية مشرفة على الحرم وعلى الكعبة المقدسة.
شهر جمادى الأول
استهل هلاله ليلة الاثنين الثاني والعشرين لأغشت ، وقد كمل لنا بمكة ، شرفها الله تعالى ، ثمانية عشر يوما ، فهلال هذا الشهر أسعد هلال اجتلته أبصارنا فيما سلف من اعمارنا. طلع علينا وقد تبوأنا مقعد الجدار الكريم وحرم الله العظيم والقبة التي فيها مقام ابراهيم ، مبعث الرسول ومهبط الروح الأمين جبريل بالوحي والتنزيل ، فأوزعنا الله شكر هذه المنة وعرّفنا قدر ما خصنا به من نعمة ، وختم لنا بالقبول ، وأجرانا على كريم عوائده من الصنع الجميل ولطيف