اليه سعر لا خفاء بيمنه وبركته على كثرة المجاورين فيها في هذا العام وانجلاب الناس اليها وترادفهم عليها. فحدثنا غير واحد من المجاورين الذين لهم بها سنون طائلة أنهم لم يروا هذا الجمع بها قط ، ولا سمع بمثله فيها. والله يجعله جمعا مرحوما معصوما بمنّه.
وما زال الناس فيها يسلسلون أوصاف أحوالها في هذه السنة وتمييزها عمّا سلف من السنين ، حتى لقد زعموا أن ماء زمزم المبارك زاد عذوبة ولم يكن قبل بصادقها.
وهذا الماء المبارك في أمره عجب ، وذلك أنك تشربه عند خروجه من قرارته ، فتجده في حاسة الذوق كاللبن عند خروجه من الضرع دفيئا ، وتلك فيه من الله تعالى آية وعناية ، وبركته أشهر من أن تحتاج لوصف واصف ، وهو لما شرب له كما قال ، صلىاللهعليهوسلم ، أروى الله منه كل ظامىء اليه ، بعزّته وكرمه.
ومن الأمور المجرّبة في هذا الماء المبارك أن الإنسان ربما وجد مس الإعياء وفتور الأعضاء اما من كثرة الطواف أو من عمرة يعتمرها على قدميه أو من غير ذلك من الأسباب المؤدية الى تعب البدن ، فيصب من ذلك الماء على بدنه فيجد الراحة والنشاط لحينه ويذهب عنه ما كان أصابه.
شهر جمادى الآخرة
استهل هلاله ليلة الأربعاء ، وهو الحادي والعشرون من شهر شتنبر العجمي ، ونحن بالحرم المقدس ، زاده الله تعظيما وتشريفا. وفي صبيحة الليلة المذكورة وافى الأمير مكثر باتباعه وأشياعه ، على العادة السالفة المذكورة في الشهر الأول ، وعلى ذلك الرسم بعينه ، والزمزميّ المغرد بثنائه والدعاء له فوق قبة زمزم ، يرفع عقيرته بالدعاء والثناء عند كل شوط يطوفه الأمير ، والقرّاء أمامه ، الى أن فرغ من طوافه ، وأخذ في طريق انصرافه.