ولأهل هذه الجهات المشرقيّة كلها سيرة حسنة ، عند مستهل كل شهر من شهور العام يتصافحون ويهنئ بعضهم بعضا ويتغافرون ويدعو بعضهم لبعض ، كفعلهم في الأعياد ؛ هكذا دائما. وتلك طريقة من الخير واقعة في النفوس ، تجدد الإخلاص وتستمد الرحمة من الله ، عزوجل ، بمصافحة المؤمنين بعضهم بعضا وبركة ما يتهادونه من الدعاء. والجماعة رحمة ، ودعاؤهم من الله بمكان.
جمال الدين وآثاره السنية
ولهذه البلدة المباركة حمّامان : أحدهما ينسب للفقيه الميانشي ، أحد الأشياخ المحلقين بالحرم المكرّم ؛ والثاني ، وهو الاكبر ، ينسب لجمال الدين ، وكان هذا الرجل كصفته جمال الدين ، له ، رحمهالله ، بمكة والمدينة ، شرّفهما الله ، من الآثار الكريمة والصنائع الحميدة والمصانع المبنية في ذات الله المشيدة ما لم يسبقه أحد اليه فيما سلف من الزمان ولا أكابر الخلفاء فضلا عن الوزراء.
وكان ، رحمهالله ، وزير صاحب الموصل ، تمادى على هذه المقاصد السنية المشتملة على المنافع العامة للمسلمين في حرم الله تعالى وحرم رسوله ، صلىاللهعليهوسلم ، أكثر من خمس عشرة سنة ، ولم يزل فيها باذلا أموالا لا تحصى في بناء رباع بمكة مسبلة في طرق الخير والبرّ ، مؤبدة ، محبسة ، واختطاط صهاريج للماء ، ووضع جباب في الطرق يستقر فيها ماء المطر ، الى تجديد آثار من البناء في الحرمين الكريمين.
وكان من أشرف أفعاله أن جلب الماء الى عرفات وقاطع عليه العرب بني شعبة ، سكان تلك النواحي المجلوب منها الماء ، بوظيفة من المال كبيرة على أن لا يقطعوا الماء عن الحاج ، فلما توفي الرجل ، رحمة الله عليه ، عادوا الى عادتهم الذميمة من قطعه.
ومن مفاخره ومناقبه أيضا أنه جعل مدينة الرسول ، صلىاللهعليهوسلم