؟ كل أمر مستغرب. وكانوا يرمون بالحراب الى الهواء ويبادرون اليها لقفا بأيديهم وهي قد تصوبت اسنتها على رؤوسهم وهم في زحام لا يمكن فيه المجال ، وربما رمى بعضهم بالسيوف في الهواء فيستلقونها قبضا على قوائمها كأنها لم تفارق أيديهم ، الى أن خرج الأمير يزحف بين قواده ، وأبناؤه أمامه ، وقد قاربوا سن الشباب ، والرايات تخفق أمامه ، والطبول والدبادب بين يديه ، والسكينة تفيض عليه ، وقد امتلأت الجبال والطرق والثنيات بالنظارة من جميع المجاورين.
فلما انتهى الى الميقات وقضى غرضه أخذ في الرجوع ، وقد ترتب العسكران بين يديه على لعبهم ومرحهم والرجالة على الصفة المذكورة من التجاول. وقد ركب جملة من اعراب البوادي نجبا صهبا لم ير أجمل منظرا منها ، وركابها يسابقون الخيل بها ، بين يدي الأمير ، رافعين أصواتهم بالدعاء له والثناء عليه ، الى أن وصل المسجد الحرام ، فطاف بالكعبة ، والقراء أمامه ، والمؤذن الزمزمي يغرد في سطح قبة زمزم رافعا عقيرته بتهنئته بالموسم والثناء عليه والدعاء له على العادة ، فلما فرغ من الطواف صلى عند الملتزم ثم جاء الى المقام وصلى خلفه ، وقد أخرج له من الكعبة ووضع في قبته الخشبية التي يصلى خلفها. فلما فرغ من صلاته رفعت له القبة عن المقام فاستلمه وتمسح به ، ثم أعيدت القبة عليه ، وأخذ في الخروج على باب الصفا الى المسعى. وانجفل بين يديه ، فسعى راكبا والقواد مطيفون به ، والرجالة الحرّابة أمامه ، فلما فرغ من السعي استلت السيوف أمامه ، واحدقت الأشباع به ، وتوجه الى منزله على هذه الحالة الهائلة مزحوفا به ، وبقي المسعى يومه ذلك يموج بالساعين والساعيات.
فلما كان اليوم الثاني ، وهو يوم الجمعة ، كان طريق العمرة في العمارة قريبا من امسه ، راكبين وماشين ، رجالا ونساء والنساء الماشيات المتأجرات كثير يسابقن الرجال في تلك السبيل المباركة ، تقبل الله من جميعهم بمنه.
وفي أثناء ذلك يلاقي الرجال بعضهم بعضا فيتصافحون ويتهادون الدعاء