كنت أظنّ أن أحدا من مضر يردّ هدية أبي براء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو قبلت هدية مشرك لقبلت هدية أبي براء» ، قال : فإنه قد بعث يستشفيك من وجع به وكانت به الدّبيلة ، فتناول النبي صلىاللهعليهوسلم جبوبة من الأرض فتفل فيها ثم ناوله وقال : «دفّها بماء ثم اسقها إياه» ، ففعل ، فبرأ ، ويقال : إنه بعث إليه بعكّة عسل ، فلم يزل يلعقها حتى برأ ، فكان أبو براء يومئذ سائرا في قومه يريد أرض بليّ ، فمرّ بالعيص فبعث ابنه ربيعة مع لبيد يحملان طعاما ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لربيعة : «ما فعلت ذمة أبيك؟» قال ربيعة : نقضتها ضربة بسيف أو طعنة برمح ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم» ، فخرج ابن أبي براء فخبّر أباه ، فشقّ عليه ما فعل عامر بن الطّفيل ، وما صنع بأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ولا حركة به من الكبر والضعف ، فقال : أخفرني ابن أخي من بين بني عامر ، وسار حتى كانوا على ماء من مياه بليّ يقال له : الهدم (١) ، فركب ربيعة فرسا له وتلحق عامرا وهو على جمل له ، فطعنه بالرمح فأخطأ مقاتله ، وتصايح الناس ، فقال عامر بن الطفيل : إنها لم تضرّني ، إنها لم تضرّني ، وقال : قضيت ذمة أبي براء ، فقال عامر بن الطفيل : قد عفوت عن عمي ، هذا فعله ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ اهد بني عامر واطلب خفرتي من عامر بن الطّفيل» [٥٥٠٧].
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالوا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكّار قال : إنّما أنجدت بنو رعل وذكوان وهم حلفاء بني رعل ، وبنو ذكوان من بني سليم ، فأنجدوا عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين قتلوا ببئر معونة من أجل طعيمة ـ يعني ابن عدي بن نوفل ـ وأمه فاختة بنت عبّاس بن عامر بن حي بن رعل بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور ، وكان الذي أنجد عامرا أنس بن عباس وهو الأصم ، فنفر مع عامر بني رعل وبني ذكوان وبني عصية ، وهؤلاء كلهم من بني سليم ، وأبت عامر بن صعصعة أن يعينوا عامر بن الطفيل لأن أبا براء عامر بن مالك كان خفير أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين قتلهم عامر يوم بئر معونة ولذلك قال حسان بن ثابت (٢) :
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي (٣) |
|
فما أحدثت في الحدثان بعدي |
__________________
(١) الهدم : وراء وادي القرى (ياقوت).
(٢) ديوانه ط بيروت ص ٦٤.
(٣) صدره في الديوان :
ألا من مبلغ عني ربيعا