وحمص ودمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إلى غزة ، وعظم شأنه وكسر عساكر مصر وخطب له بمصر وكان قد غلب على الديار المصرية لو لا هزيمته وقتل مدبره شمس الدين لولو الأرمني ومخامرة مماليك أبيه العزيزية. وكان الناصر حليما وتجاوز به الحلم إلى حد أضرّ بالمملكة فكان إذا حضر إليه القاتل عفا عنه وقال : الحيّ أفضل من الميت. فانتشرت اللصوصية وأصبح المسافر في أيامه من دمشق إلى حماة وغيرها لا يقدر على السفر إلا برفقة من العسكر ، وكثر طمع العرب والتركمان في أيامه.
وبقتل الناصر والظاهر قلّ الرجال الذين يصلحون للملك من آل أيوب وضعفت عصبيتهم وأنصارهم من الأكراد وغيرهم ، وكان انقراضهم بيد المماليك البحرية الذين غذوا بنعمتهم فلم يعرفوا لهم بيض أياديهم وبيد السفاك هولاكو وجماعة من التتر. وكان شأن بني أيوب في هذا المعنى شأن بني عباس مع الأتراك أدخلوهم في خدمتهم وأحسنوا إليهم ورفعوا منزلتهم وولوهم الأعمال ، فما كان منهم إلا أن نقضوا بنيان تلك الدولة وفتحوا السبيل لعدوها يستبيح حماها ويستصفي أرضها.
ولم يشبع المغول بما سفكوا من الدماء ، وعادوا سنة (٦٥٩) إلى حلب فانهزم جميع أهل القرى والمدن فتقدم قائدهم أن يخرج أهل القرى والمدن إلى ظاهر البلد ويبقى أهل كل مدينة وقرية بمعزل بحيث يعدّونهم ويسيّرون كل قوم إلى مكانهم وموطنهم ، ويسلمهم المغول كأنهم يسيرون إلى ضياعهم وعند ما يبعدون يقولون لهم : أنتم لو كانت قلوبكم معنا صافية لما انهزمتم من قدامنا فقتلوهم عن آخرهم ولم يفلت منهم غير أهل حلب لأنهم لم ينتقلوا عنها.
حروب الظاهر وفتوحه :
وكان الملك الظاهر صاحب مصر والشام بين عاملين في خلال هذه المدة. عامل دفع المغول وعامل دفع الصليبيين ، والغالب أنه ترجح عنده معاناة الثاني فأفلح فيه. وقد جهز سنة (٦٥٩) من مصر بدر الدين الأيدمري فتسلم الشوبك من المغيث صاحب الكرك ثم سير حملة إلى حلب (٦٦٠) وكان مقدمهم