خدمته ، وإن تأخر فأنا أقرر أمور الشام وأتوجه إليكم. ولما انتهى نعيّ عماد الدين إلى صاحب دمشق خف في الحال إلى حصن بعلبك وحصره وكان متوليه نجم الدين أيوب بن شادي والد صلاح الدين يوسف ، فخاف أن لا يتمكن أولاد زنكي من إنجاده بالعاجل فصالح صاحب دمشق وسلم القلعة إليه ، وأخذ منه إقطاعا ومالا وملكه عدة قرى من عمالة دمشق.
ولم يكد نور الدين يتربع في دست الحكم بحلب حتى بدت آيات فضله ، وصحة حكمه وعقله وحزمه ، وباستيلائه على الأعمال ظهر نبوغه فدخلت الشام في حياة سياسة جديدة ، بعد تقلقل أمر الدولة الأتابكية بدمشق ، ودخول الوهن على فروعها بزوال أصلها الثابت ظهير الدين طغتكين. وسار نور الدين على قدم أبيه عماد الدين في التقرب من ملوك الأطراف فخطب ابنة معين الدين أتسز الملك الحقيقي لدمشق ، والحاكم المتحكم في سياستها ليتم له بالصهر والقرابة ما كان أبوه يرمي إليه بزواجه بأم شهاب الدين محمود فلم يتم له ، وتزوج نور الدين بعد ذلك بابنة صاحب قونية واقصرا فأمن بهذا الزواج من غارة يغيرها صاحب آسيا الصغرى على الشام ، ومن تسرّب عسكر الصليبيين عن طريق الروم إلى مملكته.
بعد أن أصيب جوسلين صاحب الرّها بتمزيق شمل إمارته قبل سنتين على يد عماد الدين زنكي ، جمع الفرنج من كل ناحية وقصد مدينة الرّها على غفلة بموافقة النصارى المقيمين بها فاستولى عليها وقتل من بها من المسلمين. فنهض نور الدين (٥٤١) فيمن انضاف إليه من التركمان فاستعاد البلد وقتل كثيرا من أرمنها ، ومحق السيف كل من ظفر به من نصاراها. واستنجد صاحب دمشق بنور الدين على قتال والي صرخد الذي كان خرج إلى ناحية الفرنج للاستنصار بهم ، فجاء نور الدين في عسكر حسن فاجتمع الجيشان على حلب ، وبلغ صاحبي حلب ودمشق أن الفرنج احتشدوا قاصدين بصري فحال عسكر المسلمين بينهم وبين الوصول إليها ، واستظهر عسكر المسلمين على الفرنج فولوا الأدبار فتسلم صاحب دمشق حصني بصرى وصرخد.
الحملة الصليبية الثانية وغزوتها دمشق :
وفتح نور الدين في السنة التالية (٥٤٢) مدينة ارتاح بالسيف وحصر ثامولة (؟)