وقتل من مشايخ جبل نابلس وعربانه والعشير والتركمان والغلمان عدد كبير وأشرف سوار أن يأخذ حلب ثم خمدت نائرته. توفي الظاهر خشقدم ، وملكه نحو ست سنين ونصف ، وخلفه الظاهر بلباي وخلع بعد سلطنة ستة وخمسين يوما وبه زالت الدولة المؤيدية ، وخلفه الأتابكي تمربغا ودامت سلطنته ثمانية وخمسين يوما وخلفه الملك الأشرف قايتباي.
مصائب القطر الطبيعية ثم السياسية :
بعد أن نجت الشام من فتن التتر وتيمور خاصة ، ووقائع الصليبيين وويلاتها عاودتها الأوبئة والمجاعات والزلازل فزلزلت حلب مرات سنة (٨٠٦) فخرب كثير من معابدها ومساجدها وكانت كثيرة جدا ، وفي سنة (٨٢٠) كان بحلب غلاء عقبه طاعون مات فيه سبعون ألفا وخلا البلد من السكان ، وفي سنة (٨٦٣) وقع الطاعون بحلب فأربى من هلك فيها وفي ضواحيها على مائتي ألف إنسان ، وفي سنة (٨٧٤) اشتد الغلاء والفناء بحلب وكانت الحال في القطر كله على ذلك فجارت عليه الطبيعة وكانت من قبل يجور عليها أمراؤها. وقال الدويهي في حوادث سنة (٨٧٥) : ومن أخبار هذا العصر يستدل على أنه في دولة المقدمين وأحكامهم العادلة توفرت الراحة لأهل لبنان وكثرت عندهم المدارس والكنائس.
وبينا كانت الشام تدافع الخارجين على المماليك أو تشترك معهم أحيانا وقد غضب عليها جبار الأرض وجبار السماء ، ظهر لها بل لدولة المماليك الشركسية في مصر والشام عدوان لدودان أو حكومتان مسلمتان نجت من شر الأولى ووقعت في شر الثانية ونعني بهما دولة حسن الطويل ودولة ابن عثمان. ودولة حسن الطويل هي المعروفة بدولة الحمل الأبيض (آق قيونلي). استولى حسن الطويل على ديار بكر سنة (٨٧١) وقتل جهانشاه ومرزا حاكم دولة الحمل الأسود (قره قيونلي) وأبا سعيد حفيد تيمور فأصبح ملك العراقيين العربي والعجمي وفارس وكرمان ، وأنشأ دولة كبرى جعل تبريز عاصمتها. أما دولة ابن عثمان في الروم أي الأناضول فقد قويت على ذاك العهد ولا سيما بعد أن غلب السلطان محمد الثاني حسنا الطويل (أوزون حسن) سنة (٨٧٧).