من تسحب وقبض على من يكون منسوبا إليه من أقاربه وأصحابه وجيرانه وباع بعض بناتهم بيع الرقيق وتفاحش الأمر. وفي سنة (٨٩٦) حدثت في حلب فتنة كبيرة بين نائبها وجماعة من أهلها فقتل سبعة عشر من مماليك النائب وخمسون من أهل حلب ثم أحرق جماعة من حاشية النائب بالنار ، وكادت حلب أن تخرب عن آخرها فأخمد هذه الفتنة قانصوه الغوري حاجب الحجاب بحلب ، وضاق الأمر بالناس لأن المماليك أو سلاطينهم كانوا كلما أرادوا إرسال تجريدة على عدو لهم يضربون الضرائب الفاحشة على الناس ويسلبون أموال التجار والمساتير.
وفي سنة (٨٩٧) اشتد الوباء بالقدس ودمشق وحلب وبلغ عدد الهالكين بدمشق كل يوم ثلاثة آلاف وبحلب في كل يوم ألفا وخمسمائة وبغزة في كل يوم أربعمائة. وبالرملة مئة. وفي سنة (٨٩٨) ثارت فتنة كبيرة بدمشق ورجم أهلها قانصوه اليحياوي. وفي سنة (٨٩٩) تغلب العربان على الكرك والشوبك وحدثت فتن هائلة. وكان في سنة (٩٠٠) وقعة بين أهل داريا وغوطة دمشق فخرج العسكر وقتل ما يربو على مئة قتيل ، وتوفي نائب دمشق وخلت من الحكام وكثر النهب والفسق ووقع الاختلاف بين القيسية واليمنية ، ولما بلغ السلطان قانصوه خرج بالعساكر المصرية فالتقى الجمعان عند جب يوسف فكانت الهزيمة على المصريين.
وفاة الأشرف قايتباي وتولي ابنه ناصر الدين محمد :
توفي الأشرف قايتباي المحمودي سنة (٩٠١) وخليفة الوقت بمصر الإمام المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز العباسي. وكانت مدة سلطنة الأشرف بالديار المصرية والبلاد الشامية تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وأحد عشر يوما وهو الحادي والأربعون من ملوك الترك وأولادهم في العد ، والخامس عشر من ملوك الشراكسة وأولادهم بالديار المصرية ، وكان كفؤا للسلطنة وافر العقل سديد الرأي ، عارفا بأحوال المملكة يضع الأشياء في محلها ، ولم يكن عجولا في الأمور ، بطيء العزل لأرباب الوظائف يتروى في الأمور قبل وقوعها ، وكان لا يخرج إقطاع أحد من الجند إلا بحكم وفاته ، ولا من أبناء الناس المقطعين إلا