هذا والناس لا فرق عندهم إذا استولى عليهم الترك الأعاجم ، وقد حكمهم أجناس من المماليك زمنا طويلا ما داموا كلهم غرباء يستعبدونهم وينالهم من ضعفهم ضعف ، ومن قوتهم بعض راحة وسعادة ، ولا فرق في الإسلام بين عربي وأعجمي في الحقوق والواجبات ، وأقصى ما يتطلبه الناس سلطان عادل عاقل في الجملة ، وكانت الأمة تفنى بأسرها في سلطانها خلال القرون الوسطى.
مقاتل الغوري ومقدمات الفتح :
كان السلطان قانصوه الغوري آخر من ملكوا الشام من الشراكسة على شيء من الدهاء ، أعدّ للأيام عدتها وأدرك ما يحيق بمملكته من خطر ابن عثمان ، ولكن ما ينفع التدبير إذا كانت المعنويات في حكومته مريضة ضئيلة ، والقوى في جيشه غير موحدة ، وداء الهرم قد استحكم منه ومن دولته. كان في الثمانين من عمره يوم صحت نية السلطان سليم العثماني ، رجل الإرادة القوية والجيش الجرار ، على أخذ الشام ومصر ، والقضاء على دولة المماليك. وكان الغوري على رواية كامل باشا لا يعرف على من يعتمد عليه من رجاله وأمرائه غريب الأطوار في ذاته ، فكان ذلك من دواعي خروج الأمر عنه ووقوع الخلل في جيشه ، وكان يعتقد بعلم الجفر ، وقد ذكر أحد أدعياء هذا العلم أن الشر يأتيه من رجل ببدأ اسمه بحرف السين ، فصار يتطير من كل من يبدأ اسمه بذلك الحرف ، ومنهم سيباي كافل الشام.
ترجم للغوري أحد من عاصروه من الفرنج بقوله : «إنه من مماليك الغور في أفغانستان ، كان حاجب الحجاب في حلب سنة (٨٩٣ ه ١٤٩٠ م) ورأس محكمة عسكرية ووفق إلى قمع ثورة فأبان فيها عن كفاءة ، وكان وزيرا لما حنق المماليك على طومان باي واختاره للملك ، فتردد كثيرا في قبوله لأنه كان تجاوز الستين من عمره وأخذ مكوسا وضرائب من كل إنسان حتى من البوابين وضرب نقودا زائفة أضرب بالتجارة الداخلية والخارجية ، فاستلزم عمله حنق الناس وانتقاد من عاصروه فعجل بخراب المالية وذلك لوضعه رسوما فاحشة على البضائع ، وعلى البضائع التي تمر بأرضه واستعمل جزءا من هذه الضرائب