دمشق وأرجع إلى بلادي» فمطله معين الدين وبعث إلى السواحل يقول : «هذا ملك الشرق نازل على حمص وليس لكم به طاقة ، فإن رحلتم وإلا سلمت دمشق إليه وهو يبيدكم وأنا أعطيكم بانياس» أي إن معين الدين أتسز آثر أن يتخلى عن بانياس مفتاح دمشق الأكبر من جهة الفرنج ، ولا يجعل لسيف الدين غازي إصبعا في بلده ، لعلمه أن دولة آل زنكي في عنفوان أمرها غضة الإهاب ودولتهم هرمة ، والفتى يغلب الهرم ويخلفه بحكم الطبيعة.
تقدم نور الدين في فتوحه :
ولما رحل الفرنج عن دمشق كتب القومص صاحب طرابلس إلى معين الدين وإلى نور الدين يستنجدهما على ولد ألفنس صاحب صقلية الذي أخذ منه حصن العريمة ، ويريدهما على أخذه خوفا منه على بلده ، وكتبا إلى سيف الدين يطلبان منه المدد فأمدهما ، فحصروا الحصن ونقبوا السور ، فأذعن الفرنج واستسلموا وألقوا بأيديهم ، فملك المسلمون الحصن وأخربوه وأخذوا كل من فيه.
وعاد عسكر سيف الدين إلى الموصل وعسكر نور الدين إلى حلب وأخذ هذا بجمع أطرافه وتوجه إلى ما دانى أرضه من أرض الفرنج وظفر بعدة وافرة منهم ، وجمع صاحب أنطاكية رجاله فصد نور الدين على حين غفلة منه ، ونال من عسكره حتى اضطر نور الدين أن يهرب بنفسه وعسكره إلى حلب. وفي هذه السنة (٥٤٣) نادى منادي نور الدين في حلب بإبطال الأذان بحي على خير العمل في أواخر أذان الغداة ، وأعاد أذان أهل السنة ففرح الناس وأبطل بذلك أثرا عظيما من آثار الدولة العلوية الفاطمية.
لم تثبط هزيمة نور الدين يوم أنطاكية من عزيمته ، وقصد الفرنج فكان بينه وبينهم مصاف بأرض يغري من العمق فانهزم الفرنج إلى حصن حارم وكانوا هزموا المسلمين أولا بهذا الموضع ، وقتل منهم وأسر جماعة كثيرة فأرسل منهم جماعة مع غنائم كثيرة إلى أخيه سيف الدين صاحب الموصل. وفي هذه السنة سار نور الدين إلى بصري وقد اجتمع الفرنج قضهم وقضيضهم ، فالتقى بهم هنالك واقتتلوا أشد قتال فهزمهم نور الدين.
وكثر عيث الفرنج في صور وعكا والثغور (٥٤٤) بعد رحيلهم عن دمشق