بلسان واحد : ليس في بلدتنا أهل عرض أصلا بل كلنا أشقياء ، فزحف الوالي على البلد فحاصرها وفتحها ووقع القتل والنهب في كلز ، وهتكت الأعراض وذبحت الأطفال. وأن الوالي أخذ يسلب أموال الناس في حلب وفي سجونه من الأكابر والمشايخ والاشراف خلا الرعايا وأهل الذمة مقدار عظيم ، وعسكره كثير يرتكب في حلب أنواع الرذائل ، وبلغ من سوء فعل أتباعه أن كسروا غراريف بساتين حلب ودواليبها وأخشاب بيوتها وطياراتها من حدود قرية بابلا (باب الله) إلى قرب بستان الدباغة ، وحرقوها وحرقوا أخشاب قرى البلد بأجمعها ، وسلبوا متاعها ونهبوا مواشيها وتركوها قاعا صفصفا إلا ما حماه الله من القرى البعيدة ، وجاء الوالي الجديد فنبه أن لا يحمل أحد سلاحا وكل من وجد من أهالي المحلات خارجا عن الطريق المستقيم فعلى جيرانه أن يخبروا عنه ليقتله ، ومن شهد جيرانه بحسن حاله فلا سبيل لأحد عليه ، وصار يقتل كل من أخبر بسوء حاله ، وأمر الناس أن يفتحوا دكاكينهم وأرباب القرى أن يتعاطوا زراعتهم وأن ما مضى لا يعاد ، ومن لم يفتح دكانه ينهبها ويشنق صاحبها.
وروي في أخبار الحاج يوسف باشا ابن العظم الذي تولى حلب بعد عبدي باشا أنه صار يأخذ بالمجان مماليك وجواري من أصحابها قهرا ، ويحضر التجار وغيرهم ويكرمهم ويقول لهم : «أنا وزير إقشعوا خاطري ، لا يعلم بها أحد حتى لا يمشيها غيري» وأرسل فطلب من كل بلدا حصانا. وجاء بعده عبدي باشا وسار على أقدام سميه الأول في الظلم والجور على صورة لم يسبق لها مثيل ، وأنشأ يأخذ بدل القرش أربعة ، وصادر القوم وعذبهم وصارت حبوسه ملأى بالناس.
وصف فولنه ظاهر العمر بأنه لم تشهد له الشام مثيلا في الأزمان الغابرة ، وكان داهية باقعة في السياسة حكيما محنكا ولكنه كان طماحا طماعا ، ومن محاسن صفاته أنه لم يكن يحب الاحتيال ويجاهر بما يضمر ولو قاسى من ذلك العنت ، وأنه أحب المسيحيين ورفع شأنهم وعدل في الناس.
وقال من عاصره : حكم الظواهرة البلاد نحو ثمانين سنة وامتد نفوذهم من حدود جبل عامل شمالا إلى أطراف جبال القدس جنوبا ومن البحر