من الهدنة وقصد أعمال دمشق ، وشرعوا بإخراب أمهات الضياع في حوران ، فوقع التطارد بين الفريقين عدة أيّام ، ثم أغفلهم صاحب دمشق وقصد بلادهم عكا والناصرة وطبرية وما جاورها فظفر وغنم وسبى ورجع سالما في نفسه وجملته فذل الفرنج وطلبوا تقرير الصلح بينهم.
خيانة صاحب دمشق وقتل أمه له :
ومما خدم عماد الدين زنكي أن شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق كان لأول جلوسه على عرش أبيه أقر الولاة على حالهم وسار بسيرته مدة ، فنفس من خناق الأهلين وساعده اختلاف الصليبيين ثم تغيرت نيته وكثرت قبائحه ومصادرة المتصرفين ، والأخيار المستورين ، بفنون قبيحة في العقوبات ، وأضمر السوء لأصحاب أبيه وقبض على خواصهم وأركان دولته فنفرت القلوب منه. وكان (٥٢٧) وثب عليه أحد مماليك جده طغكتين وهو في الصيد بناحية صيدنايا وجبة عسال فأخطأه ، وقرره شمس الملوك فقال : ما أردت إلّا راحة المسلمين من شرك وظلمك ثم أقرّ على جماعة من شدة الضرب فضرب شمس الملوك أعناقهم من غير تحقيق ، وقتل أخاه الأكبر سونج صاحب حماة الذي كان في أسر عماد الدين ، قتله بالجوع في بيت ، فعظم ذلك على الناس ، ونفر من ظلمه المساكين والضعفاء والصناع والمتعيشون والفلاحون وامتهن العسكرية والرعية.
وأهمّ ما قضى عليه على ما يظهر اضطهاده رجال الدولة فتآمروا عليه ورأوا السبيل إلى النيل منه ، خصوصا لما بعث الى عماد الدين زنكي حين عرف اعتزامه على قصد دمشق لمنازلتها يحثه على سرعة الوصول إليها ويمكنه من الانتقام من كل من يكرهه من المقدمين والأمراء والأعيان بإهلاكهم وأخذ أموالهم وإخراجهم من منازلهم ، وكتب إليه أنه إذا تأخر استدعى الفرنج وسلم إليهم دمشق بما فيها ، وأسرّ ذلك في نفسه ولم يبده لأحد من وجوه دولته وأهل بطانته ، وشرع في نقل المال والمتاع الى حصن صرخد. فاجتمع أعيان الدولة وأنهوا الحال إلى والدته الخاتون صفوة الملك ، فدبرت عليه من قتله من غلمانها ، غير راحمة له ولا متألمة لفقده ، لما عرفت من قبيح فعله وفساد عقله وسوء سيرته. ونودي بشعار أخيه شهاب الدين محمود بن تاج الملوك. وجاء عماد الدين زنكي وخيم بأرض عذراء ، فلما طال الأمر