الزراعة الشامية
العامر والغامر :
حياة الشام بزراعته ثم بصناعته وتجارته ، والقرى والبوادي أوسع بقعة وأوفر سكانا من المدن والحواضر ، ولا نعلم مقدار سكان الشام في القرون التي سبقت الإسلام ولا في القرون التالية ، وقال بعضهم : إن سكان الشام عند دخول العرب كانوا ستة ملايين على وجه التخمين ، ولكن الظاهر من مصانع أهلها وطرقهم القديمة التي كانت تربط أجزاء القطر كالشبكة وآثار عمرانهم مثل حنايا بعض الجسور الكبرى ، وخرائب القصور الفخمة ، والدّ من التي تشاهد الآن في أواسط الفلوات الخالية ، والعاديّات والآثار الجمة ، يدل على ارتقاء زراعتهم وكثرة ثروتهم ونفوسهم. فقد كانت حوران أنبار الشام على عهد الرومان لوفرة حبوبها ولا تزال هي والبلقاء على كثرة ما تعاقب عليهما من الأيدي الظالمة في الأكثر ، معروفة بهذه الصفة وجودة حنطتهما التي لا مثيل لها ، وما يقال عنهما يقال عن جميع الأصقاع الشامية. ولا سيما ما كان بقرب المياه والأودية فإنه عامر بطبيعته لا يحتاج إلا لأمن ونظام حتى يفيض لبنا وعسلا.
ومغل حوران كسيل دافق |
|
يأتم من أرجاء جلق موجلا |
ومما أقامه الرومان لحفظ زراعة البلقاء وحوران وما كان على سيف البادية من مرج الغوطة وأداني جبل قلمون وتدمر فحلب فما وراءها ، مخافر مجهزة أحسن جهاز لمنع البادية من التسلل إلى المعمور ، لأن داء الغارات على الزروع والعيث في العامر من الأدواء القديمة. واعتداء الرحالة من أهل الظعن ، على المقيمين من أهل الدساكر والمزارع ، النازلين في الدور والمساكن ، داء قديم