المشتركة قلما تجد لها نصيرا في هذه الأرض ، ولو كانت مياه الشفة فكيف بمياه الري ري الأرض.
خراب الزراعة والمزارع :
ويمكن أن يقال إن القطر خرب بنزول الفاتحين المخربين والعاهات الطبيعية ثم من فساد النظام في الدولتين الجركسية والتركية في القرون الوسطى إلى هذا العهد ، وقد كان مسرح ظلم ، وميدان حروب وغارات ، يهلك الفلاح فيه كما يهلك النمل تحت الأقدام ، وقبل أن يهلك ابن المدن الذي له من اجتماعه بأخيه ، واعتصامه وراء حصنه وسوره بعض الوقاية ، وكانت القرى التي على جوانب الطرق تخرب قبل غيرها ، وعلى نسبة قرب القرية من المدينة أو من الطرق الموصلة أو طرق الغزاة والفاتحين ، كان الخراب إليها أسرع من الماء إلى الحدور. وكان من دلائل القوة في تلك الأعصر أن تخرب القرى وتلقى النار فيها إذا غضب الملك أو الأمير أو المقدم أو صاحب الإقطاع على ذاك الإقليم أو تلك القرية. وكان قطع الأشجار من أبلغ أنواع النكاية في الخصم ولذلك أمثلة كثيرة في القديم والحديث إلى زمن كتابة هذا الفصل. وما أصيبت به الأشجار في غوطة دمشق خلال الثورة الشامية الأخيرة مثال مما تعمله الحكومات حتى باسم الحضارة. فكأن طبائع الحكومات واحد يوم تغضب من شعب أو تريد أن تكره التناء على النزول على إرادتها.
وأهم ما أثر في حالة الفلاح نظام الحكومات ، لأن أصول الإدارة لم تؤسس في هذه المملكة على ما يجب ، وكانت المظالم الأرضية والمفاسد البشرية أشد تأثيرا في أهل الفلح والكرث والقائمين على تربية الماشية والضرع ، من الآفات السماوية ، كالزلازل والأوبئة والقحط من قلة أمطار أو فيضان أو انتشار جراد أو ديدان وجرذ وفيران.
هذه العوامل هي جماع الخراب الذي أصاب العامر فدمر القرى والأقاليم ، ومنها ما لا تزال دمنه ومياهه شاهدة على ماضيه الزاهر ، فقد ذكر الظاهري من أهل المئة التاسعة للهجرة أنه كان على عهده نيف وألف قرية ومدن صغار في حوران ، وأنه كان في إقليم غوطة دمشق نيف وثلاثمائة قرية وبه مدن صغار وبلدان تشابه المدن ، وأنه كان في وادي التيم وما إليه ثلاثمائة وستون قرية ، وإذا