بابتزاز أموال الفلاحين التعساء لما فيه مصلحتها ، على حين لا تأتي بدليل على إدراكها وجوب حماية الذين يجب عليهم أن يدفعوا الأموال اللازمة لتحسين حال الولاية ، وسد حاجات الحكومة المركزية ، وإنما تهمل الاحتياط للأمر. وقال أيضا : «إن جو الشام صاف وهواءها جيد وأرضها خصبة حسنة الري ، ففي مكنتها أن تصبر على هذه الحالة أكثر من غيرها من الولايات الأقل خصبا ، ولكن لا بد في آخر الأمر من أن تفرغ هذه الموارد».
آفة الهجرة على الزراعة :
ومما أصيبت به الزراعة من الآفات آفة دونها الآفات كلها ، بدأت تدب في جسمها أواخر القرن الماضي بركوب الفلاحين غوارب الاغتراب عن الوطن في التماس الرزق وطرق الغنى. وذلك منذ دهش الناس لأرباح المهاجرة الأول من الشاميين إلى أميركا. أرباح لم يكن لابن هذه الأرض عهد بها وكان ثلاثة وعشرون قيراطا من أربعة وعشرين قيراطا منهم يعيش ، ولا سيما في الأرض القاحلة ، عيش القلة الشديدة. فلم يلبث الناس في الجبال أن حذوا حذو أولئك المهاجرين ، فأخذ الناس ينزحون إلى أميركا الجنوبية والشمالية وإلى اوستراليا وجنوبي إفريقية وغيرها من البلاد المفتتحة حديثا ، حيث يسهل جني المال ، وتزيد أجرة العامل على نفقته كثيرا.
وهاجر ألوف أيضا إلى مصر والسودان عقبى الاحتلال الإنكليزي سنة (١٨٨٢ م) فحرمت الشام في أربعين سنة نحو سبعمائة ألف يد عاملة ، كان ثلثهم يستوطن في الأصقاع التي نزلها ، تمسك بتلابيبه لكثرة علائقه وطيب العيش فيها ، والثلث الثاني يهلك ، والثلث الثالث يرجع. ولم تلبث الهجرة أن عمت جميع السكان ، اقتصرت على أبناء الجبال أولا ، ثم تناولت ابن السهول ، وانتقل الغرام بها من ابن القرية إلى ابن المدينة. ومن جملة ما زاد في عدد المهاجرين سهولة السفر وتأليف شركات للتسفير تسلف المهاجر أجرة طريقه ونفقاته الأولى ريثما يجد عملا حيث ينزل.
وهذه الهجرة من أعظم ما أخر حال الزراعة في هذا القطر ، فأصيبت بضربة مهمة أهمها ارتفاع أجور العملة فيها لأن من عاد منهم يحمل مالا ولو