غير الصافية هي نسبة كبيرة في ذاتها ، ولأنه يصعب جدا تخمين الغلات على وجه الضبط لأخذ هذا المقدار منها. فقد حارت حكومات الشام في طريقة استيفاء العشر أو ثمنه ولا تزال حائرة ، لأنها إذا خمنت الغلات تخمينا فقد يضل المخمنون أو يتعمدون الخطأ أحيانا فيظلم الفلاح إذا جاء التخمين زائدا عن الحقيقة ، وإلا فيخسر بيت المال. وإذا باعت العشر بالمزاودة العلنية من ملتزمين فهم لا يقدمون على سوى قرى الفلاحين فيظلمونهم بطرق شتى دون أن يجسروا على المزاودة في عشر قرى الوجهاء ، فيكون الضرر مزدوجا على الفلاح وعلى بيت المال معا. وقد رأت الحكومة أخيرا أن تعمد إلى معدل عشر أربع سنين ماضية فتقره وتستوفي ضريبة محدودة مساوية له سواء زرع الفلاحون الأرض أو لم يزرعوها. وهذه الطريقة في استيفاء العشر وإن كانت أصلح من الطريقتين السالفتين إلا أنها ليست عادلة إذا قلّ المطر في إحدى المناطق بعض السنين هذا عدا أن أساسها فاسد ، لأن متوسط عشر سنين أربع في قرى الفلاحين يكون قريبا من العشر الحقيقي غالبا. أما في قرى الوجهاء فيكون أنقص لأن الأعيان لا يدعون الحكومة تصل إلى حقها.
والخلاصة أن مسألة العشر في الشام من أعقد المسائل وكثيرا ما اقترح أرباب الفلاحة على الحكومة أن تمسح الأرض كما في بلاد الفرنج وتضع على الأرض وما تنتجه ضريبة واحدة لا تتبدل تخلصا من العشر كما يجري العمل به في أرض مصر. وإن هذا الاقتراح في غير محله أو هو مما يتعذر اتباعه في كل أنحاء الشام على السواء ، لأن الأمطار في الشام متفاوتة التهطال. فقد يهطل في سنة ثلاثة أضعاف ما يهطل في السنة التالية ، لا سيما في سهول الشام الشرقية ، ولهذا يختلف محصول الأرض اختلافا عظيما كل سنة. وقد تمحل منطقة واسعة في إحدى السنين ولذلك لا يجوز أن يستوفى منها في تلك السنة ضريبة كالتي تستوفى في سني الخصب. أما إذا كانت الأرض تسقى بماء نهر أو قناة فعندها يمكن وضع ضريبة ثابتة عليها كما في الغوطة مثلا.
طرائق استثمار الأرض :
إذا قلنا إن أكثر من ستين في المائة من سكان الشام يعملون في الفلاحة رأسا