ابن أبي هلال الحمصي صحيح النقل ولفظه مبتذل وحنين بن إسحاق البغدادي المولد نشأ في الشام وتعلم فيه.
وللشاميين منذ القديم ميل إلى النقل عن الأمم الأخرى ، هكذا فعلوا في كل قرن فقد كان الناقلون منهم في القرنين الأول والثاني وكذلك في القرون التاليّة إلى يومنا هذا وهم أقدر الأمم على تعلم اللغات الغريبة والتفصح فيها. وكان أكثر النقل عن السريانية ، وهذه نقلت عن العبرانية ، وهذه نقلت عن اليونانية ، ولذلك تعب فلاسفة المسلمين في حلّ رموز الفلسفة اليونانية لأنها نقل عن نقل ، وذكر أحد المعاصرين من الإفرنج أن كتب أرسطو كانت تنقل ليفهمها أهل القرون الوسطى من اليونانية إلى السريانية ومنها إلى العربية ومنها إلى العبرية ومن هذه إلى اللاتينية وكان التراجمة بادىء بدء لا يدركون فهم المعاني من كتب العرب وينقلونها إلى اللاتينية حرفا بحرف. وقال نالينو : إن أكثر نقلة القرن الثاني كانوا ضعافا في العلوم يترجمون بالحرف دون فهم الموضوع وكثيرا ما ترددوا في تعريف المصطلحات العلمية المجهولة عند العرب في ذلك العصر ، ومن المعلوم أن طريقة التعريب لم تتقن إلا في القرن الثالث.
العلم والأدب في القرن الثالث :
لم يكن للقرن الثالث ما كان للقرن الذي سلفه من النهضة ، وتجلي آثار النبوغ والتجدد ، بل كان كالتتمة لبعض ما سمت له الهمم في القرنين الماضيين ، وعلى صورة ربما كانت أضعف ، زاد التدوين فيه أكثر من ذي قبل ، وأخذت بغداد حظها من العلماء الذين قصدوها من القاصية وبقيت الشام بمعزل ، راحت العلوم الفلسفية في بغداد أواخر القرن الثاني والثالث وسرى منها شعاع إلى الشام ثم عراها ما خنقها. وممن أفضل على الشام الخليفة المأمون فإنه أنشأ فيها مرصدا فلكيا عمله له يحيى بن أبي منصور وهو أحد أصحاب الأرصاد المشهورين في أيامه وكان ذلك في سنة خمس عشرة وست عشرة وسبع عشرة بعد المائتين. وقام في الشام محمد بن عائذ صاحب المغازي والفتوح وغير ذلك من المصنفات (٢٣٣) وعبد الله بن ذكوان القارىء الحافظ (٢٤٢) وهشام بن عمار خطيب دمشق وقارئها وفقيهها ومحدثها (٢٤٥) وأحمد