فضلا عن اللغة الفرنسية التي كان تعلمها إذ ذاك رسميا في الظاهر صوريا في الحقيقة ، على مثل ما كانت اللغة العربية في مدارس الحكومة ، وكان يندر بين من تخرجوا في هذه المدارس من يعاني الصناعات الحرة ، ومعظم من أتموا تعلمهم في مدارس الحكومة العثمانية نشأوا مستعدين للوظائف فقط.
وما فتئت مدارس الحكومة بعد خمسين سنة من تأسيسها غير وافية بالغرض من بعض الوجوه. وجعل التعليم بالعربية عقبى خروج الدولة العثمانية من هذا القطر ، وروحها لم تبرح تلك الروح التركية ، لأن معظم المعلمين ممن تعلم بالتركية وتخلق بالأخلاق التركية ، وقد حاولت إدارات المعارف في الديار الشامية نزع الروح القديم وتنشئة المعلمين نشأة عربية ، وليس في الوسع أن يشيب المرء إلا على ما شب عليه ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، ولم تهتد مدارس الحكومة حتى اليوم إلى إيجاد مثال من التربية يلتئم مع ماضي الأمة العربية وينفعها في حاضرها ومستقبلها ، وتغذية العقول غذاء كافيا ينفعها في استخراج ثمرات الأرض وكنوزها والتفنن في صنعها ووضعها ، وتجديد برامج التعليم من الزوائد التي يستغنى عنها في باب تربية الفتاة والصبيّ. أما التعليم الديني عند المسلمين فهو أحط تعليم ، أصيبوا بذلك بعد خراب المئات من المدارس الدينية في القطر وأكل أوقافها ، وقد تغافلت الدولة التركية عن إنهاضها ، ولم يتهيأ لها في الدور الحديث من يفكّر حقيقة في إصلاحها ، وإذا درس المشايخ الدروس النظامية ، وتأهلوا للقضاء والفتيا والتعليم أهلية حقيقية ، تنحل بتعليمهم التاريخ والرياضيات والطبيعيات والاجتماعيات مشاكل كثيرة. ومن العجيب أن مدينة كدمشق لا يقل سكانها عن ثلاثمائة ألف نسمة كان فيها في الثلث الأول من القرن العاشر نحو ثلاثمائة مدرسة ومعهد مختلفة الشكل ـ عدا الكتاتيب الملحقة بالجوامع ـ تقرأ فيها دروس العلم والأدب والطب والهندسة ، ليس فيها اليوم درس ديني واحد يقرأ بصورة مطردة ، ولذلك بلغت العلوم الشرعية درجة من الضعف تضحك وتبكي ، وبلغت أكثر وظائف الوعظ والتدريس والخطابة والإمامة من السخف ما نسأل الله معه السلامة.
وقد جبرت حلب هذا النقص فتولى مفتيها بمعاونة ناظر أوقافها كبر هذا الأمر ، فوضع برنامج لتدريس العلوم الآلية والدينية مدة اثنتي عشرة