هذا إذا قصدت السببية وأما إذا لم تقصد لم يجز الجزم قطعا بل يجب أن يرفع إما بالصفة كان صالحا للوصفية كقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) [مريم : ٥ ـ ٦] فمن قرأ بالرفع ، أي : وليا وارثا ، أو بالحال كذلك ، كقوله تعالى : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠] أي : عمهين.
أو بالاستئناف كقول الشاعر :
وقال رائدهم (١) أرسلوا (٢) نزاولها (٣) |
|
فكلّ حتف امرئ يجري بمقدار |
(الأمر)
هكذا في بعض النسخ ، وفي بعضها (مثال الأمر) وكان المراد به صيغة الأمر ، فإنهم يطلقون (أمثلة (٤) الماضي وأمثلة المضارع) ويريدون صيغهما وفي بعض الشروح : إنما قال (مثال الأمر) (٥) لأن الأمر كما اشتهر في هذا النوع من الأفعال كذلك اشتهر في المعنى المصدري أيضا.
فأراد (٦) النص على المقصود.
__________________
(١) (قال رائدهم) هو الذي يتقدم القوم لطلب الماء والكلأ هذا إشارة إلى الغنم وسائر المواشي (أرسوا) أي : أقيموا من أرسيت السفينة حبستها بالمرساة (نزاولها) أي : نحاول تلك الحرب ونعالجها (فكل حتف أمري يجري بمقدار) أي : أقيموا القاتل فإن موت كل نفس يجري بقدر الله تعالى لا الجبن ينجيه ولا الإقدام يرديه وفيه حث على الشجاعة. (مختصر في بحث الفصل).
(٢) أصله ارسبوا من الارساء وهو الإثبات أي : اثبتوا في مكانكم. (أمير).
(٣) قوله : (نزاولها) أي : الإستشهاد على أن قولة : (نزاولها) ليس بجواب الأمر حتى يكون مجزوما بها بل هو مستأنف المزاولة معاونة ومناصرة ومعالجة. (فاضل أمير).
(٤) قوله : (فإنهم يطلقون أمثلة الماضي ... إلخ) أقوى الشواهد على إرادة الصيغة أنهم يقولون لهذا الأمر بالصيغة فقوله : مثال الأمر بمنزلة قولهم : الأمر بالصيغة. (عصام).
(٥) اعلم أن الأمر بالصيغة مقابل الأمر باللام أفرده بالذكر لكونه قسما من الفعل برأسه مغايرا للمضارع لفظا ومعنى وحكما بخلاف النهي والأمر باللام فإنهما مع الحرف ليسا بقسمين من الفعل كالنفي وبدونها كالمضارع لفظا وحكما. (شرح اللباب).
(٦) قوله : (فأراد النص على المقصود) من أول الأمر فلا يرد أن الأمر المعروف بصيغة لا يحتمل المعنى المصدري فزيادة لفظ المثال لدفع توهم إرادته توهم بعيد.
ـ وإنما قال (أراد النص) لأن إضافة الصيغة إلى ما بعده للبيان كما في صيغة الماضي ـ