إياها ، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن. قال : وهذا من أحسن الأعمال فإن سيد الغلام لا بدّ له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره ، وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك ، فكان هذا الوقف جبرا للقلوب.
تكاثر الأوقاف ومضار الجمود :
استولى الخراب على الشام بعد تخريب تيمور دمشق أوائل المئة التاسعة ولكن عاد إليها رونقها فتجددت على عهد الدولة الشركسية ، فلما جاء العثمانيون أخذت تتراجع حتى بلغت هذه الدركة من الانحطاط الذي نراه ، وليس في القطر جزء صغير من ذاك العمران المستبحر ، وقد نال الأوقاف ما نال غيرها من التشتت ، وكأن يد القدرة قضت أن لا تدوم سعادة السعيد ولا شقاء الشقي ، ولو دامت مثلا تلك الحركة المباركة التي كان الناس أو أهل الثروة منهم يقلد فيها بعضهم بعضا من إنشاء معاهد الخيرات والصدقات على اطراد واتصال ، لأصبحت الشام بأسرها مجموعة أوقاف يتناول ريعها الأشراف والأجلاف ، وأصبحت سائر الأمة خدمة وأجراء.
ولذلك كان العقلاء على مثل اليقين أن الأوقاف التي وقفها بعض أبناء الطائفة المارونية في جبل لبنان وبلغت لعهدنا نحو ربع الجبل على ما يؤكد بعضهم يتصرف فيها بطريركهم وينفق من مستغلها على بعض الأديار والبيع ، لا تلبث أن يقوى عليها أصحاب القوة والمكانة ويتخذون من القانون حجة لبيعها أو يعرض لها عارض آخر ـ كما وقع في فرنسا على عهد ثورتها الأولى واستصفت الحكومة أموال البيع والأديار والجمعيات الدينية. ـ فتتمزق لأن مثل هذه الأوقاف التي حبسها أهل الخير على أعمال البر في الغالب لم تنفع أبناء تلك الطائفة في زمن المحنة أي في الأربع سنين الأخيرة على عهد الحرب العامة ، ولو صح الاجتهاد وأظنه يصح في مثل هذه المواقف لأنه هو المعقول والشرائع تسير على المعقولات ، لكان على شمامسة الموارنة وقساوستهم وأساقفتهم وبطريركهم أن يعمدوا إلى بيع تلك الأوقاف أو رهنها على الأقل ليصرفوا ثمنها على إطعام أبناء طائفتهم ولو فعلوا لما مات جوعا في لبنان من الموارنة ألوف.