الضرائب على الرعية ، وقد غدا دخلهم لا يوازي خرجهم كما كان سابقا ، وأمسى رجال الأمر فيهم يسيرون على سيرة ملوكهم يعرقون لحم الأمة ليجمعوا أموالا ربما وقفوا بعضها على الأعمال الخيرية ، فكانوا كالتي تزني وتتصدق ، وما كانت صدقاتهم في الحقيقة إلا فرارا بأموالهم من المصادرات لأن مصادرة الوزراء والأمراء بعد المئة العاشرة أصبحت في الدولة العثمانية موردا من الموارد التي تعيش بها الدولة ، بعد أن كانت لأول أمرها تقتصر في دخلها على الجزية الشرعية والخراج الذي كانت تتقاضاه من ملوك النصرانية وأعشار الأملاك السلطانية وريع الجمارك والملاحات والخمس الشرعي من أموال الغنائم.
وإذا كان عمال الدولة لا يأخذون الأموال إلا من حلّها كيف استطاع مثل سنان باشا فاتح اليمن أن يصرف على خيراته ما يربو على مليوني ليرة بسكة زماننا ، ولو قدر هذا المال بقيمته العرفية اليوم لبلغ عشرة ملايين. لا جرم أنه لم يحتجن هذا المبلغ الذي تعجز أمة من الأمم الراقية اليوم عن المفاداة به إلا بارتكاب ضروب المظالم والمغارم. ولو فتح هذا الفاتح ما بين المشرقين وارتكب مثل هذه المنكرات في أموال العباد ما نفع شيئا في قرباته وصدقاته.
وإذا كان مثل جنجي خوجه من مشايخ السلطان إبراهيم ، وهو من أرباب الدجل ، قد جمع من الرشاوى والهدايا والأوقاف ما يربو على مائة ألف كيس والكيس خمسمائة قرش يوم صودر وأخذ خطه بها ، فكيف حال من يقبض على زمام الأمر من الوزراء والولاة ويظل مدة في منصبه ، ثم هو يظن أن إنشاء مدرسة أو جامع مما يبرر أعماله ويكفر عن سيئاته ، وأن ذراريه بمأمن من الفقر لأن الملوك في الغالب كانوا يتركون لهم العقارات والأرضين ويكتفون بمصادرة الأموال فقط.
الوقف من مال غير محلل :
قال في «نتائج الوقوعات» : ومؤلفه من وزراء السلطنة في عهد السلطان عبد العزيز ردا على من قال إن الأسلاف لم يحبسوا ما حبسوه إلا خوف المصادرة