مع عقاراتها الموقوفة عليها بدون التذرع بهذه الحيل ، في زمن آثر كثير من أبنائه الدنيا على الدين لفرط جشعهم. فانفجر بركان الجرأة على الشريعة لتضييق أئمة الحرج ، وفجر المتأخرون لغلو المتقدمين بالتهافت على الوقف. ولم يجد اختراع مخرج المرصد نفعا لصيانة العقارات الموقوفة. إذ لم نسمع ولم نشهد أن المتكلم على وقف أدى إلى صاحب المرصد ما كان له دينا على رقبة الوقف واسترجعها إلى جهته ، بل نمي إلينا عكس ذلك وهو أن أصحاب المراصد كانوا يرشون المتكلمين على الأوقاف ليغضوا الطرف عن انتقال العقارات من الوقف المرصد إلى الملك الحر ، ويرشون أيضا مفوضي تمليك العقارات ليسجلوا العقار الموقوف ملكا صرفا، بل إن بعض المتولين أنفسهم كانوا يخونون الوقف باتخاذهم مخرج المرصد حيلة ، إذ يتذرعون به بدون اضطرار إليه لتحويل العقار من الوقف المحض إلى المرصد ، ويرشون قضاة السوء ليثبتوا اضطرار الوقف إلى الدين والاستدانة ..
أوقاف الذرية :
قوام الوقف ركنان وهما الحبس والتأبيد ، فمتى حبس الواقف العين عن التمليك وأبد الحبس بالتقييد إلى جهة لا تنقطع ، أصبح الوقف مبرما وأضحت العين محبوسة شرعا. ولا يمكن تحريرها من قيد الوقف ، ورجوعها ملكا صرفا كما كانت البتة ، لأن الشرع صانها للجهة الموقوف عليها من تصرف الانتقال والتمليك. ولخوف الواقف من سفه ذريته ، وتبديدها الثروة من بعده ، أو لخوفه من المصادرة أو لغير ذلك من الأسباب المختلفة باختلاف النيات ، لجأ إلى الوقف وقيده بقيود وشروط تلائم رغائبه ، وأبده بالتقييد إلى جهة لا تنقطع بعد انقراض الذرية لئلا يفقد الوقف أحد ركنيه. وما التجاء الواقف إلى الوقف إلا التجاء إلى كنف الشريعة التي شرعت الوقف وصانته بأحكامها. وغير خفي أن حامي حمى الشريعة أمام المسلمين المكلف برعاية أحكامها ، والنائب عنه من هذه الوجهة وزارة الأوقاف في العاصمة ودوائرها الفرعية في الإيالات وملحقاتها. والشريعة لا ترد اللاجئ إلى حماها بالطرق الشرعية. ولهذا لم تفرق قواعدها وأحكامها بين الأوقاف الخيرية