والأهلية بالمناعة والصيانة ، فكل من النوعين منيع مصون بنظر الشريعة. واللاجئ إلى الشريعة لاجئ طبعا إلى المكلف بحمايتها ورعاية أحكامها ، فكان حقا على إمام المسلمين والنائبين عنه من الوجهة الوقفية ، صيانة الأوقاف الأهلية كحرصهم على صيانة الأوقاف الخيرية. فهذه القواعد منشأ سيطرة دوائر الأوقاف الحكومية على الأوقاف الأهلية المحضة ، ولا سيما أن الوقف الأهلي الصرف يحتمل أن ينقلب خيريا محضا في أقرب وقت ، بانقراض الموقوف عليهم ، لأن مآل الأهلي إلى الخيري بالعاجل أو الآجل ، لتقييد الوقف بالتأبيد إلى جهة لا تنقطع. وكل ما يعود إلى هذه الجهة فهو من الأوقاف الخيرية ، فحق على دوائر الأوقاف أن تكون في كل آن واقفة بالمرصاد أمام تصرف نظار الأوقاف الأهلية. على أن أغلب من تذرعوا بالوقف الأهلي لصيانة الثروة ، ولا سيما الوزراء وعمال المقاطعات ، كانوا يتبرعون بالأوقاف الخيرية ليوطدوا الأولى بالثانية ، ويعهدوا بالولاية على الجميع إلى الأرشد من ذريتهم. فرعاية لشروط الواقفين لا تنتزع دواوين الأوقاف الولاية من المتولين على الأوقاف الخيرية المتحدة بالولاية على الأهلية ، ما دام المتولي يؤدي دفتر المحاسبة نقيا من الشوائب. وإذا كان الأمر لا يسوغ لديوان الأوقاف أن يضبط الوقف بل يذره ملحقا ، لكن يحق له أن يجبر المتولي أن يؤدي حسابا عن الوقفين الخيري والأهلي لتداخلهما ، وإن لم ترفع إليه شكوى من أرباب الاستحقاق.
الأوقاف في العهد العثماني الأخير :
لهذا العهد ثلاثة أدوار : الأول دور السلطان عبد الحميد الثاني. الدور الثاني دور أخيه محمد رشاد الخامس. الثالث دور أخيهما وحيد الدين محمد السادس خاتمة ملوك بني عثمان. ولم تكن دوائر الأوقاف في الشام على العهد الحميدي أقل من بقية الدوائر الحكومية خللا وفوضى واختلاسا وقلة نظام ، بل كانت أكثر اختلالا من غيرها لأن لها وجهة دينية ذات اتصال بمشايخ الدين الحشويين أو الدجالين ، وهم أبعد الناس عن النظام والانتظام ، فكانت