الحسبة والبلديات
العرب دعاة مدنية :
لم تقصر العرب في شأن من شؤون المدنية بالنسبة لأعصارهم ، فاستنبطوا بعقولهم ، وطبقوا على شريعتهم ، كل ما يعلي أمرهم ، وتحلو به حياتهم. وكلما ارتقت حضارة الغرب ، وتوفر العاملون من أبنائه على استخراج دفائن هذه المدنية العربية الإسلامية ، تتجلى لنا أمور ما كنا نحن أصحاب تلك المدنية نعلمها ونعمل بها من قبل. انتقلت المدنية إلى العرب من الفرس واليونان والهند. ولكن جاء الإسلام بما فيه من العوامل القوية ، والنظام المدني البديع الذي استخرجه أهل الصدر الأول من روح الكتاب والسنة ، بأجمل مدنية عرفها البشر إذ ذاك ، وما نظنه مهما ارتقى في الأزمان التالية يخرج عن حدّها كثيرا. ونظام العقل نظامه في كل دور وطور.
لم يترك العرب بابا من أبواب المدنية إلا طرقوه ، ولا علما من علوم الصناعات إلا برزوا فيه وعانوه. وتجلت مدنيتهم بأجلى مظاهرها في فارس والعراق ومصر والشام والأندلس أكثر من غيرها من الأقطار التي هذبها الإسلام ، وكانت العرب أساتذة أبنائها. والغالب أن قيام دول عظمى إسلامية في تلك الأقطار على أسس مدنيات قديمة كان من أول الدواعي إلى تجويد مدنيتهم ، ورفع شأنها بين الأمصار على اختلاف القرون والأعصار ، وللأقليم وطبيعته دخل كبير في تثقيف العقول ، ونبذ الجمود والخمول ،
ضاعت أو كادت وا أسفاه أوضاع مدنيتنا القديمة ومشخصاتها ، لأن العرب تمزقوا وتفرقوا بعد استيلاء أناس من الفاتحين على ديارهم ، كانوا