دونهم في سلامة الذوق وجودة الفطرة ، فأفسدوا أخلاقهم بما حملوه إليهم من عاداتهم وتقاليدهم المختلة ، وأوصلوهم إلى درجة من الجهالة لو لم يتداركها في القرن الماضي محمد علي باشا في مصر وخير الدين باشا في تونس ومدحت باشا في الشام والعراق لاضمحل عمرانهم وباد سلطانهم إلا قليلا.
تعريف الحسبة :
وبعد فإن الناظر في أصول الحسبة في الحكومات الإسلامية السالفة ، يعلم أن أجدادنا هيأوا لمدنهم وسكانها جميع ضروب الراحة والهناء ، وحاولوا أن يبعدوا عنها ما أمكن الجور والشقاء. والحسبة بالكسر الأجر وهو اسم من الاحتساب أي احتساب الأجر على الله ، تقول فعلته حسبة وأحتسب فيه احتسابا ، والاحتساب طلب الأجر. وكانت الحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين ، يعين لذلك من يراه أهلا له ، فيتعين فرضه عليه ، ويتخذ الأعوان على ذلك ، ويبحث عن المنكرات ، ويعزر ويؤدب على قدرها ، ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة ، مثل المنع من المضايقة في الطرقات ، ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل ، والحكم على أهل المباني المتداعية بهدمها ، وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة ، والضرب على أيدي المعلمين في الكتاتيب وغيرها ، من الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلمين ـ قاله ابن خلدون.
وقال ابن تيمية : وبنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض ، وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلا بد أن يكون بينهما ائتمار بأمر. وتناه عن أمر ، وأولو الأمر أصحاب الأمر ، وذوو القدرة وأهل العلم والكلام. فلهذا كان أولو الأمر صنفين العلماء والأمراء ، فإذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس.
وقال ابن الأخوة : الحسبة من قواعد الأمور الدينية ، وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها ، وجزيل ثوابها ، وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله ، وإصلاح بين الناس ، والمحتسب من نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعية ،