عمل المحتسب يحسب البلد :
وكانت وظائف المحتسب تزيد وتنقص بحسب البلد ، ولا يعدو عمل المحتسب الأمور المشتركة بين الناس. فالمحتسب في بيروت يقضى عليه أن ينظر في أمور لا ينظر فيها محتسب دمشق مثلا. ففي بيروت يعنى المحتسب بالاحتساب على السماكين والملح والصير والبوري وقلائي السمك والطيور وصياديها ، ونجاري المراكب وتقديراتها. وجميع المدن مشتركة مثلا في الحسبة على الصيادلة والعقاقير والأشربة والمعاجين والقلانسيين والخرازين وصناع الشراك والأساكفة وصناع الخفاف وصنعة السرابات والزفاتين والنحاتين والدهانين وغشهم والمكارين وغشهم وكساحي السماد وحمالته والغرابيل ومناخل الشعر والوراقين والمبهرجين ، وفيمن يكتب الرسائل على الطرق والرقاع والدروج وكتاب الشروط ، والولاة والقضاة وتدليسهم ، والميازيب ومضرتها والمراصد والمراقب وطباخي الولائم والمحامل وصناعها والروايا والقرب إلى غير ذلك مما كان يستدعيه دينهم وعاداتهم ومدنيتهم.
وذكر السبكي أن على المحتسب النظر في القوت ، وكف غمة المسلمين فيما تدعو حاجتهم إليه من ذلك ، والاحتراز في المشروب ، فلطالما أوهم الخمار أنه فقاعي أو اقسماوي (١) ، وطالما أوهم الطباخ أن لحم الكلاب لحم ضأن. فليتق الله ربه ولا يكن شيء في إدخال جوف المؤمنين ما كرهه الله لهم من الخبائث ، ويحرم عليه التسعير في كل وقت على الصحيح ، وقيل يجوز في زمن الغلاء ، وقيل يجوز إذا لم يكن مجلوبا ، بل كان يزرع في البلد وكان عند الشتاء. وإذا سعر الإمام انقاد الرعية لحكمه ، ومن خالفه استحق التعزير. ومن مهمات المحتسب ولا سيما في الشام أمران ارتبطا به أحدهما النقود من الذهب والفضة المضروبين. ولا يخفى أن في زغلهما هلاك أموال البشر ، فعليه اعتبار العيار في محك النظر والتثبت في سكة المسلمين ، وثانيهما المياه فعليه الاحتراز في سياقها ، وقد جرت عادة أناس في الشام أن يشتري بعضهم قدرا معلوما من نهر ثورا وباناس مثلا ويتحيل لصحته بأن يورد العقد على مقره بما له فيه من حق الماء وهو كذا أصبعا ، ثم يسوقه ويحمله
__________________
(١) الاقسماوي : بائع السويق او المثلجات.