على مياه الناس يرضي طائفة يسيرة منهم. وكان الشيخ الإمام رحمهالله يشدد النكير في هذا وله كتاب فيه سماه (الكلام على أنهار دمشق). والحاصل أن الخلق في أنهار دمشق سواء يقدم الأعلا منهم فالأعلا ولا يجوز بيع شيء من الماء ولا مقره ولا يفيد رضى القوم ولا كلهم لأنهم لا يملكون إلا الانتفاع ، بل ولا رضى أهل الشام بجملتهم لأن رضاهم لا يكون رضا من بعدهم ممن يحدث من الخلق اه.
ثلاثة آراء في الحسبة :
وليس هذا كل ما يطلب من المحتسب فقد كان يطلب منه أن يسيطر على العقول أيضا. ذكر ابن الأثير في تقليد أنشأه لمنصب الحسبة : ... واعلم أن الناس قد أماتوا سننا وأحيوا بدعا ، وتفرقوا فيما أحدثوه من المحدثات شيعا ، وأظلم منهم من أقرهم على أمرهم ، ولم يأخذهم بقوارع زجرهم ، فإن السكوت عن البدعة رضا بمكانها ، وترك النهي عنها كالأمر بإتيانها ، ولم يأت بنا الله إلا ليعيد الدين قائما على أصوله ، صادعا بحكم الله فيه وحكم رسوله ، ونحن نأمرك أن تتصفح أحوال الناس في أمر دينهم ، الذي هو عصمة مالهم ، وأمر معاشهم الذي يتميز به حرامهم من حلالهم ، فابدأ أولا بالنظر في العقائد ، واهد فيها إلى سبيل الفرقة الناجية الذي هو سبيل واحد ، وتلك الفرقة هي السلف الصالح الذين لزموا مواطن الحق فأقاموا ، وقالوا ربنا الله ثم استقاموا ، ومن عداهم شعب دانوا أديانا ، وعبدوا من الأهواء أوثانا ، واتبعوا ما لم ينزل به الله سلطانا ، (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) ، فمن انتهى من هؤلاء إلى فلسفة فاقتله ولا تسمع له قولا ، ولا تقبل منه صرفا ولا عدلا ، وليكن قتله على رؤوس الأشهاد ، ما بين حاضر وباد ، فما تكدرت الشرائع بمثل مقالته ، ولا تدنست علومها بمثل أثر جهالته ، والمنتمي إليها يعرف بنكره ، ويستدل عليه بظلمة كفره ، وتلك ظلمة تدرك بالقلوب لا بالأبصار ، وتظهر زيادتها ونقصها بحسب ما عند رائيها من الأنوار ، وما تجده من كتبها التي