الحاجة والحسبة أمس واليوم :
ولقد حدثنا التاريخ أن الناس كانوا يتولون الحسبة بأنفسهم عندما تضعف الحكومات لأن مصلحة أهل كل بلد لا تتم إلا بدفع الأذى بعضهم عن بعض والتواصي بالحق ، والجاهل في ذمة العالم ، والضعيف من حصة القوي. وأهل البلد الواحد متكافلون معنى وضمنا إذا لم يتكافلوا هلكوا ، ولا تتم للفرد فيه سعادة لا تتناول المجموع. وكان قانون الاحتساب يسد حاجات المجتمعات في هذه الديار. نعم إن تلك الأوضاع قد بلغت عند غيرنا في هذا العصر مبلغا عاليا من الرقي بفضل قاعدة توزيع الأعمال ، وكثرة الاختصاصيين في كل فرع من الفروع ، ولكن ديوان الحسبة وحده كان يقوم بأكثر هذه المقومات في المدن الفاضلة ، فكانت الحسبة آخذة برقاب المنافع ، داقة أعناق المضار. ومن الغريب أن عصرنا على رقيه لم يصل في هذا القطر إلى بعض ما كان يتمتع به أهلها في القرون الغابرة ، وأغرب من هذا كيف اهتدوا إلى أشياء فأصلحوها لتوفير راحتهم ورفاهيتهم ، وما بلغوا ما بلغوه من تراتيبهم بدون التوسع في القوانين الفضفاضة شاهدة على تمدنهم ، وأنهم أهل عمليات أكثر مما هم أرباب نظريات ، فسبحان الملهم العظيم.
تأسيس البلديات (١) :
يبدأ عهد الإصلاح في الدولة العثمانية من تاريخ إعلان المنشور السلطاني الصادر في غرة جمادى الآخرة سنة (١٢٧٢) وفيه القواعد الأساسية التي بني عليها ذلك الإصلاح في الشؤون المختلفة ، وفي جملة المعاهد التي أنشئت ، المجالس البلدية التي أحدثت عقب صدور المرسوم المذكور ووضع لها نظام خاص جرى فيه تعديل بحسب الأحوال.
فإن النظام المؤرخ بيوم ٢٣ ربيع الأول سنة (١٢٨٤) الذي يحوي في مطاويه أصول تأليف المجالس البلدية في مراكز الولايات والألوية والأقضية ، قد جرى تعديله فيما بعد كما هو مصرح بذلك في الفصل السابع من قانون إدارة الولايات العمومية (٢٩ شوال سنة ١٢٨٧ و ٩ كانون الثاني سنة ١٢٨٦)
__________________
(١) كتب فصل البلديات السيد أمين الحشيمي.