وكثيرا ما يشاهد الحجاج سراب هذه الرمال الجميلة عن بعد. ففي هذه الطريق الصعبة وبين هذه الرمال المحرقة يسرع الركب تخلصا من النصب والتعب ، فيوزع أمير الحج على الحجاج المياه للشرب مجانا ويستأجر مئات من الجمال لتقوم بهذا العمل الخيري ، وكل ذلك لم يكن يجدي نفعا. ولطالما حدثت اختلافات بين الأمير والبدو فتقع المصيبة على رأس الحجاج والركب معا على ما جرى ذلك كثيرا فيملأ الرعب قلوب الحجاج طول الطريق يتحدثون بما وقع في السنين الماضية من الحوادث ويعلم بعضهم بعضا بمحالها ومواقعها ويذكرون ما كان يتبعها من أعمال السلب والنهب.
إن مدائن صالح أخف صعوبة من الأرجاء التي قبلها وأقل خطرا منها. وفيها كثير من الآثار القديمة النبطية. ومنها يسير الركب إلى المدينة المنورة وبعدها إلى مكة المكرمة وأكثر الأراضي الحجازية مؤلفة من جبال وأودية وقليل من الواحات فطريق الركب طريق صعبة ، وفيها آبار متقطعة وليست بجيدة. وهناك أيضا درب آخر يقال له الدرب السلطاني وهو الدرب الأقصر طولا والأشد خطرا. فالحجاج يعرضون عنه حينما تبلغهم ثورة البدو على الحكومة. هكذا كانت حالة الطريق المؤدية إلى الأرض المقدسة وهذه هي المشقات التي كان يلاقيها الحجاج في طريقهم.
إنشاء الخط الحجازي :
وهذا ما دعا الحكومة العثمانية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لإزالة هذه الصعوبات والحيلولة دون الأسباب التي كانت تقلق راحتها في الداخل وتظهرها بمظهر العاجز في الخارج أمام دول الغرب. وكان السلطان عبد الحميد الثاني حريصا على توسيع نفوذه المعنوي في جميع الممالك الإسلامية خدمة للإسلام وتوصلا لغاياته السياسية لذلك فقد قرر (سنة ١٩٠٠) مد خط حديدي يصل الشام بالحجاز ويسهل السفر على الحجاج ويأتي الدولة والولايات بالفوائد المادية والمعنوية. على أن هذه الفكرة لم تكن بنت وقتها وليست وليدة رأس عبد الحميد فقد سبقه إليها الدكتور زامبل الأميركي الألماني الأصل فاقترح سنة (١٨٦٤) على الحكومة العثمانية مد خط حديدي بين دمشق وساحل البحر الأحمر.