طرق الشام :
كانت الطرق ووسائط النقل والمواصلات مفقودة في الزمن الغابر حتى القرون الأخيرة في جميع أرض الترك عامة وفي الشام خاصة ، مما دعا إلى تأخر دخول المدنية الغربية إلى هذه الديار مدة طويلة من الزمن. وكانت الدولة العثمانية في أخريات أيام حكمها الشام أي في سنة ١٨٦٢ أقرت برنامجا للطرق ، ووضعت قانونا لإنشائها وإعمارها وحفظها ، فأخذت الأحوال تتبدل ، وبدأت المشاريع تظهر في الشام بصورة حسنة. وكان القانون العثماني يقضي على كل شخص أن يقوم أربعة أيام في السنة بعمارة الطرق خلال عشرين سنة من حياته أو أن يقدم ضريبة قدرها ريال مجيدي واحد. وكانت هذه الضريبة تجبى بمعرفة لجنة قوامها بعض الموظفين الإداريين وموظفي المصارف الزراعية. ولم يراع هذا القانون في كثير من الأحوال ، وكانت الأموال التي خصصت لعمل الطرق تصرف في نفقات الدولة العامة. وقد وقف العمل بهذا القانون مدة قليلة لأن الأحوال السياسية حالت دون إتمام البرنامج المذكور، فحرمت سورية الطرق. وكثيرا ما كان يرجح المار على الطريق أن يتبع الأرض المجاورة له لصعوبة السير عليه.
أما الحالة في لبنان فقد كانت على غير ذلك. فإنه منذ نال استقلاله الإداري سنة١٨٦٠ ازدادت نفوسه ونتج عن ذلك أن ظهرت حركة المهاجرة التي ما فتئت تزداد من ذلك الحين. فاللبنانيون المهاجرون كانوا لا ينسون الذين تركوهم في الوطن ، بل كانوا يرسلون لهم الأموال من مهجرهم أميركا. كما أن الكثير من هؤلاء كان يرجع إلى موطنه بعد حصوله على ثروة لإتمام بقية حياته فيه. وإن قسما عظيما من هذه الثروة التي كان يجمعها اللبناني المهاجر كان ينفقه بإعمار بيوته ، أو بإنشاء بيوت جديدة على الطراز الحديث. وبهذه الصورة تمكن الجبل في مدة قليلة أن يعمر بقيام قرى جميلة وافرة السكان تحتاج للاتصال بالسواحل ، ولا سيما بيروت وطرابلس وصيدا. وقد اتفق الأهلون أن ينشئوا كثيرا من الطرق بأموالهم الخاصة ، فكان عدد الطرق لا يتناسب مع الفائدة المطلوبة منها بل ولا مع ثروة القرية التي تنتهي فيها