يوما فإساءتهم أيام. وطاعتهم وغناؤهم وبلاؤهم تبع للسلطان ، إذا كان على أخلاق ومتانة خضعوا واستكانوا وكانوا آلة خير لقتال الأعداء والخوارج على الملك ، وإلا أصبحوا من أعظم أدوات الشر ، وكانوا يتمحضون للخدمة ويعيشون بالإقطاعات العظيمة التي كانت لهم ، وإذا نشبت الحرب راجت سوقهم وكثر الخير عليهم لأنهم يجهزون من الدولة بالأموال والألبسة والسلاح والكراع. وكلما جازوا بلدا أو فتحوا مصرا اعتدوا على السكان والمكان وأخذوا ما استطاعوا أخذه من مال وعروض وناطق وصامت.
الجيوش الصليبية والتترية :
رأت الشام من ضروب الجيوش على عهد الحروب الصليبية ثم في عهد الحروب المغولية التترية ما يستغرب منه. فإن جيوش الصليبيين كانت مؤلفة من معظم العناصر الفرنجية التي كانت تدين بدين البابوية في أوربا ، بل كانوا يجندون من أحبّ من الوطنيين ولا سيما الموارنة. وكانت جيوش هولاكو وغازان وتيمور لنك ـ مؤلفة من معظم عناصر آسيا. وجميع هذه الجيوش الغربية والشرقية أضرت بهذه الديار أضرارا فاحشة ، لأن النظم الحربية الحديثة لم تكن معروفة إذ ذاك ، فكان القائد بحكم الضرورة يتسامح مع أجناده إذا عرقوا لحم من ينزلون عليهم وكسروه سواء كانوا مسالمين أو محاربين. وطول دور الحروب الصليبية في الشام أورث أهله شجاعة واستهانة بالموت حتى كاد يعد جميع أهله جندا. الشدائد معلمة الشعوب ، وأي شدة على الشام أعظم من أن تجيش أوربا على هذا القطر الصغير قرنين كاملين. وقد اعترف المسلمون للصليبيين بالشجاعة والإقدام ، واعترف هؤلاء للمسلمين بمثل ذلك. ومن أجمل ضروب الإنصاف أن ينصف المرء خصمه ويذكر محاسنه كما يذكر مقابحه.
الجيوش في القرون الوسطى وجمعيات الفتوة :
كانت طوائف الأجناد عدة كثيرة تنسب كما قال القلقشندي كل طائفة منهم إلى من بقي من بقايا خليفة من الخلفاء الماضين منهم كالحافظيّة والآمرية