تدمر من عوامل الهدم والتخريب فإن القسم القليل الذي سلم من كوارث الأيام وأحداث الدهر ينبئ بجمال عظمتها وجلال قدرها. فلا يتأتى لمن يقف وسط تلك الأطلال ويتأمل هذا الإتقان لا تأخذه حيرة في دهشة أو رعشة في وحشة لهذا الإبداع المعجب ودقة الصنعة وتناسب الجمال والعظمة. فكل جزء منها شاهد على سلامة ذوق مخططها ومهارة عمالها وصناعها. فقد جمعت بين الإبداع والإعجاز حتى ليتساءل المرء وهو في القرن العشرين إن كان هذا ثمرة جهود الإنسان أو عمل من صنع الجان.
تعد خرائب تدمر اليوم من أكبر خرائب الشام وأهمها وتنقسم بناياتها إلى ثلاثة أقسام : الهياكل والبلدة والمدافن. ولم يبق من الهياكل سوى الهيكل الكبير وهو هيكل بعل والهيكل الصغير وهو هيكل بعلشاميم. والأول هو أكبر بنايات تدمر وأهمها يقع إلى الجهة الشرقية من البلدة ، وهو عبارة عن فناء واسع مربع الشكل يبلغ طول كل من أضلاعه ٢٣٥ مترا يحيط به جدار ذو نوافذ ارتفاعه نحو من ١٥ مترا ، ومدخله من الغرب. وهذا المدخل يؤدي إلى دهليز قام على عمد يبلغ ارتفاع كل منها ١٤ مترا ومنه تجتاز الواجهة الداخلية وتعتبر هذه من أبدع مصانع تدمر وأتقنها صنعا. ويحيط بهذا الهيكل من داخل الجدار رواق كان قائما على ٣٩٠ عمودا تهدم اليوم معظمه ، وقد شيد في وسط هذا الفناء الهيكل الأصلي وطوله ٦٠ مترا وعرضه ٣١ مترا ونصف المتر. وأقدم كتابة وجدت داخل هذا الهيكل مؤرخة بسنة ١٧ م. ويرجح أن هذا الهيكل بني في أوائل العهد المسيحي.
والهيكل الثاني إلى شمالي البلدة ومدخله من الشرق وهو أصغر حجما من الأول وأقل كلفة. ويكاد يكون مجموعه الخارجي سالما ومع بساطته تجد إتقانا في بنائه ودقة في نقوشه وقد تم بناؤه في النصف الأول من القرن الثاني للميلاد.
إن ما بقي من آثار البلدة هو أروع شيء في خرائب تدمر وأعظم منظرا. ومنها تلك الأروقة التي كانت تمتد من جانبي أهم شوارع البلدة فهي أبهج منظرا لعظمة تلك المدينة وأطول هذه الشوارع هو الذي يخترق البلدة من الشرق إلى الشمال ويقسمها إلى منطقتين وطوله ١٢٠٠ متر وعدد أعمدة كل