ولما جاء يوستنيانوس سنة (٥٢٧) جدد بناء الأخربة في تدمر وشيد أبنية أخرى فيها وجعل لها سورا. ثم سطت عليها الزلازل كثيرا. وما يرى اليوم من الأثر الضئيل الباقي من عادياتها شاهد على ما كان هناك من عمران ممتد الرواق. وما استخرج ولا يزال يستخرج من أرضها من التماثيل والأنصاب والشواهد يدل على فضل ذوق وحسن هندسة.
ومن كل أنواع الأنام مصور |
|
شباب وشمط يمرحون وشيب |
ومجلس أنس يفسح الطرف ملؤه |
|
قيان تغني وسطه وشروب |
وصرعى وقتلى في قتال عساكر |
|
تحول حصون دونهم ودروب |
فمن جانب أضحت تصب مدامة |
|
ومن جانب أضحت تشب حروب |
خليطان هذا للقراع معبس |
|
يصول وهذا للسماع طروب |
وقد حققوا التصوير حتى وجوههم |
|
يبين لنا بشر بها وقطوب |
وكل يعاني شغله غير أنه |
|
على فمه دون الكلام رقيب |
ملاعب فيها الملك رام بطرفه |
|
وكل ابن دنيا إن نظرت لعوب |
وعاشوا طويلا ثم فرق شملهم |
|
زمان أكول للأنام شروب |
فلو لا مكان الدين قلّ لفقدهم |
|
بكاء لنا في إثرهم ونحيب |
ملوك أقاموا ما أقاموا أعزة |
|
وقد شعبتهم بعد ذاك شعوب |
وخيل للرائي ليذكر عهدهم |
|
خيال لعمري إن رأيت عجيب |
خيال لهم يهدى إلى كل أمة |
|
لقصد اعتبار إن رآه لبيب |
عاديات بعلبك امس واليوم
إن بقايا هيكل الشمس أو المشتري وهيكل الزهرة وهيكل باخوس ودار المذبح أو البهو الكبير الماثلة إلى اليوم في قلعة بعلبك لأكبر دليل على ارتقاء فن الهندسة حتى في العصور التي سبقت الرومان واليونان. وقد عدت أحجار بعلبك ومنارة الإسكندرية (الإسكندرونة) من جلة عجائب الشام. فقد قال الهمداني في أحجار بعلبك : إن فيها حجرا على خمسة عشر ذراعا أقل أو أكثر ارتفاعه في السماء عشرة أذرع في عرض خمسة عشر ذراعا في طول خمسة وأربعين ذراعا. هذا حجر واحد في حائط. وأما منارة الإسكندرية