ذهبه فإنا نضعه في قصورنا فلا تمضي عليه عشرون سنة حتى يحول ، وهذا بحاله مع طول الزمن ، كأن الصانع فرغ منه الآن. فقال المأمون : ما أعجبني هذا. فقال يحيى بن أكثم : الذي أعجب أمير المؤمنين تأليف زخارفه فإن فيه عقودا ما يرى مثلها. فقال المأمون : كلا بل أعجبني أنه بني على غير مثال شوهد.
كاد المؤرخون والجغرافيون من العرب يجمعون على أن المسجد الأقصى أحسن من جامع دمشق. عمّر عبد الملك بن مروان سنة ٦٥ الحرم والقبة الكبرى التي فوق الصخرة على أسلوب جميل لم يسبق إليه. قال بعضهم : إن شكل قبه الصخرة مستعار من الهندسة البيزنطية ثم هدم الكنيسة التي كان شيدها يستنيانس وبنى موضعها المسجد الأقصى ، وتنوق في تنميقه وأكمل البناء سنة ٧٢ وقالوا : إن أساس المسجد الأقصى من عمل داود وهو على غاية الحسن والإحكام كما قال ياقوت مبني على الأعمدة الرخام الملونة والفسيفساء التي ليس في الدنيا أحسن منه لا جامع دمشق ولا غيره. وروى ابن العديم أن جامع حلب كان يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء وأن سليمان بن عبد الملك هو الذي بناه وتأنق في بنائه ليضاهي به ما عمله أخوه الوليد في جامع دمشق. وكان سليمان بن عبد الملك يسكن الرملة قبل الخلافة عمّرها وبنى مسجدها الجامع وخرّب له جارتها.
تاريخ الحرم القدسي :
شيد المسجد الأقصى وقبة الصخرة في مكان تل موريا ، وهي منزلة دينية سامية قدسها الوثنيون واليهود والمسيحيون والمسلمون ، وربما كانت بيدرا لأحد اليبوسيين سكان فلسطين القدماء ، وقد بنى فوقها داود بعد فتحه المدينة مذبحا تقدم فيه القرابين. وأمر سليمان سنة (١٠١٣ ق. م) بإنشاء قصر له مكان المسجد الأقصى وهيكل فخم حيث قبة الصخرة. وقد دمره الكلدانيون سنة (٥٨٨ ق. م) وفي السنة العشرين قبل الميلاد شرع هيرودس الكبير بإقامة هيكل وبرج عال في المكان نفسه ولم يتمه ، ودمره جنود الرومان سنة ٧٠ لما استولى طيطوس على بيت المقدس. وبنى الامبراطور ادريانوس سنة ١٣٠ م