فحصل لكل طاق من تلك الطيقان قسطها من ذلك العنب متدليا أمامها ، فيمدّ الساكن فيها يده ويجتنيه متكئا دون كلفة ولا مشقة. وقد قيل : إن منارة جامع حلب المثال الوحيد من الهندسة الإسلامية.
ولقد بنى الملك الأشرف بن العادل بدمشق قصورا ومتنزهات حسنة. وكانت عمارة اللاذقية في الحروب الصليبية من أحسن الأبنية وأكثرها زخرفة مملوءة بالرخام على اختلاف أنواعه كما قال ابن الأثير ، فخرب المسلمون كثيرا منها ونقلوا رخامها إلى دمشق وغيرها ، وخربوا البيع التي قد غرم على كل واحدة منها الأموال الجليلة المقدار ، ولما تسلمها تقي الدين عمر حصن قلعتها ، وكان عظيم الهمة في تحصين القلاع والغرامة الوافرة عليها كما فعل بقلعة حماة. وبنى الناصر صلاح الدين من أسرة صلاح الدين يوسف قصرا في قرية القابون بدمشق «لم ير الراؤون مثله» وعمر الشرف الأعلى في دمشق بقصور العظماء.
عمران دمشق في القرون الوسطى :
وبعد أن كانت دمشق في القرن السادس أكثر مدن الأرض سكانا كما قال ابن جبير وكانت في القرن الثامن كما قال ابن تغري بردي أجمل مدينة في العالم بل أغنى مدينة ، أحرق تيمورلنك بعض أحيائها ومدارسها وغرّمها ملايين من الدنانير ، وحمل معه المهندسين والبنائين والنقاشين ، في جملة من حمل من أرباب الصنائع إلى سمرقند ، كما فعل السلطان سليم في مصر لما فتحها في الربع الأول من القرن العاشر ، فحمل إلى القسطنطينية كل صاحب صنعة وعمل نافع وجردها من بدائعها وصناعاتها النفيسة.
وكان في دمشق في القرن التاسع مائة حمام أفردها ابن عبد الهادي في رسالة كما كان في عصره ألف جامع ومسجد في دمشق وضاحيتها وناهيك ببلدة فيها هذا القدر من آثار العمران. ولا غرو بعد هذا إن قال فينا أبو الفضل ابن منقذ الكناني يوم كان لنا القدح المعلى في العمائر :
وإذا مررت على المنازل معرضا |
|
عنها قضى لك حسنها أن تقبلا |
إن كنت لا تسطيع أن تتمثل ال |
|
فردوس فانظرها تكن متمثلا |
وإذا عنان اللحظ أطلقه الفتى |
|
لم يلق الا جنة أو جدولا |