إلى ما فوقها وما دونها ، وعدتها تزيد على عشرين ألف حجر ، لا يستقر الحجر في مكانه ، ولا يستقل في بنيانه إلا بأربعة دنانير فما فوقها ، وفيما بين الحائطين حشو من الحجارة الصم، المرغم بها أنوف الجبال الشم ، وقد جعلت سقيته بالكلس ، وأحاطت قبضته بالحجر مازجه بمثل جسمه ، وصاحبه بأوثق وأصلب من جرمه ، وأوعز إلى خصمه من الحديد بأن لا يتعرض لهدمه».
مثال التخريب في الحصون والبيع :
وكثيرا ما كان ساسة هذه الديار يخربون الأسوار والحصون لغرض من الأغراض ، كما خرب عبد الله بن طاهر سنة (٢٠٩) سور معرة النعمان ومعظم الحصون الصغار. مثل حصن الكفر وحصن حناك وحصن كيسوم وغير ذلك. وكما خرب سلاطين الشام منذ استولى عليها الأتابك زنكي إلى أواخر عهد المماليك الحصون التي استولوا عليها أو التي كانوا بنوها لئلا يعود أعداؤهم فيستولوا عليها. وقد ألف جمهور الناس أن ينقضوا البنيان القديم ويعمروا به بناءهم الحديث. ولهذا أمثلة كثيرة في تاريخ العمران في هذه الديار. فقد ذكر العماد الكاتب أن اللاذقية لما استخلصت من أيدي الصليبيين وقع من عدة من الأمراء الزحام على الرخام ، ونقلوا منه أحمالا إلى منازلهم بالشام «فشوهوا وجوه الأماكن ومحوا سنا المحاسن» وبظاهر اللاذقية كنيسة عظيمة نفيسة قديمة بأجزاء الأجزاع مرصعة ، وبألوان الرخام مجزعة ، وأجناس تصاويرها متنوعة ، ولما دخلها الناس أخرجوا رخامها ، وشوهوا أعلامها.
ولما أرادوا في أواخر القرن الماضي بناء رصيف على طول نهر دمشق من صدر الباز إلى داخل مدينة دمشق حملوا إليه من ضخام الأحجار التي كانت في قلعتها. وربما هدم بمثل هذا العامل ما كان في أكثر مدن الشام من دور الضيافة التي ابتدعها عمر بن عبد العزيز. وقصر الفقراء الذي بناه نور الدين في ربوة دمشق. ودار العدل التي بناها نور الدين في دمشق وهي أول واحدة من نوعها بناها لكشف الظلامات. وبنى نور الدين جسر كامد اللوز في سهل البقاع ، كما جدد كثيرا من الجسور والخانات وقنوات السبل