أسباب الخراب والعلة في قلة قصور الأفراد :
قلّت في الشام قصور الأفراد من التجار والصناع والزراع كما تشاهد في الغرب مثلا ، لأن السكان كانوا يفنون في كبرائهم فلم يكن شأن من مظاهر النعمة والغبطة مدة قرون لغير أرباب الدولة أو من كان يعد من جملتهم وكان سائر الناس يحاذرون أن تنشأ لهم شهرة في الثروة ، والثروة تتجلى في الدار والفرش والدابة واللباس ، فيتظاهرون بالفقر لينجوا من مخالب العمال وفسدت الأذواق في البناء وحسن الذوق تبع للحضارة في الأمة ، فاذا تأخرت حضارتها كان الذوق من أول ما يفسد فيها. ولذا كان الناس يخربون العامر ويبنون بأنقاضه. وكم أدركنا وأدرك آباؤنا وأجدادنا من أثر بديع سطت عليه يد خرقاء لنسل حجارته. وكم من كتابة تاريخية عفي أثرها جهلا وغباوة. اجتاز القاضي أبو يعلى المعري ببلدة شياث ظاهر معرة النعمان والناس ينقضون بنيانها ليعمروا به موضعا آخر فقال :
مررت برسم في شياث فراعني |
|
به زجل الأحجار تحت المعاول |
تناولها عبل الذراع كأنما |
|
رمى الدهر فيما بينهم حرب وائل |
أتتلفها شلّت يمينك خلّها |
|
لمعتبر أو زائر أو مسائل |
منازل قوم حدثتنا حديثهم |
|
ولم أر أحلى من حديث المنازل |
والعلة العظمى في نزول الدمار ببيوت الأفراد أنها أسرع عرضة للتبدل أكثر من المصانع العامة بالخراب والانتقال من يد إلى يد بالإرث والتقسيم ويتحيفها ما يتحيف المصانع من زلزال وتخريب بأيدي الفاتحين والغزاة. قال بنيامين في رحلته : وقد أصاب حماة هزة أرضية منذ عهد قريب (٥٥٢ ه) اهلكت خمسة عشر ألفا من سكانها في يوم واحد فلم يبق منها إلا سبعون نفسا. وقال أبو الفداء في هول هذا الزلزال : ويكفي أن معلم كتاب كان بمدينة حماة فارق المكتب وجاءت الزلزلة فسقط المكتب على الصبيان جميعهم قال المعلم فلم يحضر أحد يسأل عن صبي كان له هناك.
وزلزلت الأرض سنة (٥٩٧) فهدمت مدينة نابلس فلم يبق فيها جدار قائم ومات تحت الردم ثلاثون ألفا وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل