وامتدت إلى دمشق فهدمت أكثر الكلاسة والبيمارستان النوري وتهدمت بانياس وهونين وتبنين. وخرج قوم من بعلبك يجنون الريباس من جبل لبنان فالتقى عليهم الجبلان فماتوا بأسرهم وتهدمت قلعة بعلبك مع عظم حجارتها ووثيق عمارتها وامتدت إلى حمص وحماة وحلب والنواحي وأحصى من هلك في هذه السنة على سبيل التقريب فكان ألف ألف إنسان ومئة ألف إنسان قاله في ذيل الروضتين ، ولم يكن زلزال سنة (٥٦٥) أقل من هذا فقد أخربت دمشق وبعلبك وحمص وحماة وشيزر وبعرين وحلب وتهدمت أسوارها وقلاعها وسقطت الدور على أهلها وهلك منهم ما يخرج عن الحد وأتى الخراب على حلب فأتى على سورها وجوامعها.
الاحتفاظ بالعاديات والمصانع :
وبعد فقد علمنا بما مرّ بنا أن الشام وافر المصانع أبقت فيه كل أمة وكل جيل أثرا من غناها وعظمتها ، وأن الخراب يتحيف أكثر هذه العاديات لأن حب الاحتفاظ بالقديم قد ضعف فينا. ونرى الشام لا يحتفظ بآثاره وينميها إلا يوم تنشأ فيه إدارة للعاديات يكون سلطانها نافذا على الكبير والصغير كما فعلت مصر منذ أمد ، فاحتفظت بالبقية الباقية من أعمال الغابرين ، وخدمت أحباب الآثار وغلاة الهندسة من المحدثين. ولا يبحث عن العاديات إلا إذا توفر للباحثين العلم بالآثار على أحدث الطرق العلمية ، حتى إذا استخرج شيء منها يضنّ به فلا يصدره إلى القاصية بل يحفظ في دور الآثار تراث الأجداد. وأهم من هذا وذاك أن يتربى في الأمة الذوق في الجمال ، وينتشر العلم بالصنائع النفيسة حتى بين الأطفال ، ويعرف كل وطني معنى هذه التذكارات المطبوعة بطابع الأجداد ، المنبعثة من أرجائها ريح فضائلهم ، المشبعة بأنوار نبوغهم ، الصادرة من فيض قرائحهم وعبقريتهم ، وعندئذ يصبح الشام كله متحفا نفيسا دونه أجمل المتاحف ، وأفخم بيت يجمع المفاخر والمآثر.
انتهى الجزء الخامس من خطط الشام
ويليه الجزء السادس وأوله التاريخ المدني ـ البيع والكنائس والديرة