بحر الظلمات وبحر الشمال وغيره ، ولم ينازعهم منازع من الشعوب في هذا الباب ، لأنهم كانوا يكتمون سرّ الطرق التي يسلكونها ويتشددون في كتمانها. وربما أغرقوا سفنهم إذا اطلع بعض البحارة من الغرباء عنهم على خطة رحلاتهم ، فضلا عن إغراق مراكب من يحاول سرقة أسرارهم في طرقهم البحرية. ولم يعرف غير الفينيقيين جزائر الكاسيتريد أو جزائر سورلنج في الشاطئ الغربي من الجزائر البريطانية.
ولم يؤثر عن العبرانيين أن كان لهم أسطول بل قوارب لا تبعد كثيرا عن الساحل على النمط القديم. أما الفراعنة الذين حكموا جزءا مهما من جنوب الشام وساحله مدة فكانت بحريتهم وصناعتهم (١) في مصر أولا ، ثم جعلت في طرابلس وصور وجبيل لقربها من مستودع الأخشاب الصالحة لصنع السفن. ولم تكن ملاحة للفراعنة من السلائل الأولى حتى الدولة السادسة والعشرين لأنهم ليسوا أمة حربية.
بحرية الرومان واليونان :
كانت البحرية في العهد اليوناني في الشام على مثال بحرية تلك الدولة قوية منظمة. وكانت اليونان أمة بحرية من الطراز الأول في القديم. ألفوا اليمّ منذ عرف تاريخهم ، ومعظمهم جزائريون طالما عاركوا البحر وعركهم. وانطبع سكان الساحل الشامي بطابعهم وساروا على أقدامهم في سلوك سبل البحار. ومثل ذلك يقال في الرومان الذين طال عهدهم في الشام ، فإن أساطيلهم كانت تحمل من شواطئ إيطاليا وإليها تجارات الأمم التي خضعت لسلطانهم. وصعب أن يحكم على بحرية الشام في الدور الروماني ولعلها لم تخرج في كل حال عن طور اليونان ، ولا شك أن بعض المواني الشامية كان لها صناعات كما كان لها في كل دور. ويمكن أن يقال على الجملة : إن الشام لم يعرف له منذ عرف تاريخه إلى الفتح الإسلامي بحرية خاصة وافية بالغرض
__________________
(١) الصناعة في العرف اسم المكان المعد لإنشاء المراكب والسفن نقلت الى لغات الغرب فصارت ارسنال (Arsenal) وعادت الى العرب من طريق الترك باسم «ترسانة».