نعم كان العرب بادئ بدء يتخوفون ركوب البحر فقد استعمل الوليد ابن يزيد الأسود بن بلال المحاربي على بحر الشام فقدم عليه أعرابي من قومه ففرض له وأغزاه البحر فلما أصابت البدوي تلك الأهوال قال شعرا منه :
فلله رأي قادني لسفينة |
|
وأخضر موّار السرار يمور |
ترى متنه سهلا إذا الريح أقلعت |
|
وإن عصفت فالسهل منه وعور |
فيا ابن بلال للضلال دعوتني |
|
وما كان مثلي في الضلال يسير |
لئن وقعت رجلاي في الأرض مرة |
|
وحان لأصحاب السفين وكور |
وسلمت من موج كأن متونه |
|
حرار بدت أركانه وثبير |
لتعترضنّ اسمي لدى العرض حلقة |
|
وذلك إن كان الإياب يسير |
وقد كان في حول الشرية مقعد |
|
لذيذ وعيش بالحديث غرير |
أول خليفة غزا في البحر الشامي والبحرية الأموية :
منع عمر عماله من غزو البحر بعد إخفاق العلاء في غزوته البحرية. ولما قلد عمر عبد الله بن قيس النظر في ثغور الشام جميعها كتب إليه عمر إني لا أحمل المسلمين على أعواد نجرها نجار وجلفطها الجلفاط (والجلفاط الذي يشد ألواح السفينة) وما زال به معاوية حتى أقنعه. وفي بيروت عمر معاوية المراكب وجهز الجيش إلى قبرس ومعهم أم حرام واسمها الرميصاء بنت ملحان زوجة عبادة بن الصامت فلما رجعت رابطت في بيروت وماتت فيها. ويقول المقريزي : إن الناس كانوا يغزون بنسائهم في المراكب. وشتا المسلمون بأرض الروم سنة اثنتين وأربعين وهو أول مشتى شتوه بها فاستعمل معاوية على أهل المدينة عبد الملك بن مروان وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة فركب عبد الملك بالناس البحر. فلما ولي عثمان بن عفان طلب إليه معاوية أن يغزو البحر فوافقه على ذلك ، على أن ينتخب من يحملهم في المراكب ولا يقترع بينهم ، فمن اختار الغزو طائعا يحمله ويعينه ففعل. وغزا معاوية الغزوة الأولى فكان أول مسلم غزا في البحر ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحاسي خليفة بني فزارة فغزا خمسين غزوة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر ولم يغرق فيه أحد. وأغزى معاوية عقبة بن عامر