ومن هذا الجيش ذاقت الشام أيام استيلاء الأشوريين عليها القهر والذل.
وكان الفراعنة الذين امتد سلطانهم على بعض أرجاء القطر زمنا يجنّدون أحيانا من الشاميين ، ولكننا لا نعرف كيف كانوا يجندون ، وقد ظهرت نماذج من أنظمتهم الحربية عرفناها بما حفظ من آثارهم في المتحف المصري. وكانوا إلى العز أيام تماسك جيوشهم ، وإلى الذل إذا ضعف نظامهم في جنديتهم ، مثل أيام ملوك الرعاة المعروفين بالهيكسوس وهم العرب أو العمالقة.
واشتهر العبرانيون أولا أنهم أمة حربية ، وكان لكل سبط من أسباطهم حامية أو جيش صغير يدفع به عدوه ، وقد لا يكون من الأسباط الأخرى. ولذلك كان بأسهم بينهم على الأغلب ، فكان العبراني أسدا على نفسه وعلى أبناء جنسه ، ونعامة يوم يوافيه الغريب ، يؤثر أن يرأم للذلة ، على أن يرخص روحه في الذود عن حماه. وكان بقاء الشعب الإسرائيلي في التيه على عهد موسى الكليم سنين طويلة من الحكم التي قصد بها انقراض شيوخهم المستضعفين ، وتربية الشبان على الأخلاق الحربية ، فتجدد شباب هذه الأمة بهذه الرحلة الطويلة. ولما جاءت جيوش بخت نصر الفارسي وأدريانوس الروماني إلى فلسطين أذاقت أبناء إسرائيل الويلات ولم يغن عنهم ما جيّشوه من الجيوش ، ولا ما كتّبوه من كتائب.
جيش اليونان والرومان :
كانت جيوش الأمم القديمة كما هو الحال عند بعض الأمم الحديثة ولا سيما المستعمرة أخلاطا من الشعوب وأجيالا من الناس. والأمة التي يكون جيشها من عنصر واحد أو سواده الأعظم منه تكتب لها الغلبة على الأكثر ، ويكون نظامها أتم وتحمّسها في النيل من العدو أكثر ، وما نظنّ أن الجيش الذي جاء به الإسكندر المقدوني إلى هذه الديار وهو لا يتجاوز الثلاثين ألف راجل وأربعة آلاف وخمسمائة فارس ، إلا مؤلفا من عنصر واحد ، وهو الجيش الذي غلب الفرس على كثرة جيوشهم وقضى على دولتهم وسلطانهم وفتح الشرق القريب والأوسط.