وحملوه إلى العاصمة فأهانوه وأذلوه. وكان ملك إنكلترا ، أو ملك الانكتار كما يقول مؤرخنا في الحروب الصليبية استعان بهذه الجزيرة ، وقد جعلها ريشاردس قلب الأسد لما جاء بأسطوله العظيم لفض الحرب مع صلاح الدين قاعدة أعماله الحربية البحرية. فانظر كيف يعيد التاريخ نفسه ، وكيف يتسلسل الفكر في الغرب وينقطع في الشرق بانقطاع من يبتدعه ويؤسسه.
وكان الجنوية والبياسنة والبنادقة من سكان سواحل إيطاليا قد استولوا على البحار في تلك العصور كما استولت عليها بريطانيا العظمى في العصرين الأخيرين ، وكانوا احتلوا بعض جزر البحر المتوسط يأتون بعض السواحل الشامية يغزونها ، فكانت حكومات الشام تعنى بالمراكب أشد العناية والاعتماد في نقل الجيوش من مصر والشام على طريق البر لأنه أسلم ، اللهم إلا في أوقات مخصوصة من السنة وعندما يصافي ملوك الفرنجة والروم وصاحب قبرس. وظلت العناية بالأساطيل على عهد حكومات المماليك تختلف باختلاف عقل السلطان المتغلب ، وتفرّغ ذهنه لصيانة مملكته من الطوارئ الخارجية. أما السفن التجارية فزادت العناية بها خصوصا وأهل الشام ما برحوا منذ الزمن الأطول أمة تمارس الأسفار البحرية ، وتعرف من أين تؤكل الكتف في المتاجر ، وقد شوهدت آثار تجارتها حتى في جزائر بريطانيا وبلاد النروج وفنلندة ومعظم سواحل البحر المتوسط.
وكانت الحروب الصليبية معلمة لأهل أوربا على طريق البحار إلى الشرق ، ومعلمة لأهل الشام على اختراق العباب إلى أوربا ، وكل ذلك على سفن ومراكب حفظت أمثلة منها في المتاحف البحرية في الغرب ولا سيما في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. وكانت السفن الحربية تسمى بأسماء كثيرة منها الأغربة والبسطات والأعواديات والبركوشات والشلنديات والمسطحات والحراريق (الحراقات) واليخوت والشواني والقراقير. ولكثرة اختلاط النواتية والملاحين من أهل الشام وغيرهم من السواحل الإسلامية بأبناء حرفتهم النازلين على الشاطئ المقابل للشاطئ الإفريقي والشامي ، أخذ الفرنج كثيرا من المصطلحات البحرية عن العرب ، ونقلوها إلى لغاتهم محرفة مرخمة ، ولا تزال إلى اليوم تقرؤها في معاجم اللغات اللاتينية خاصة، ومنها «أمير الماء» فحرف