البرية والبحرية أيام كانت ترتعد الفرائص منها في الغرب ، ويتمنى عظماء ملوكها أن يخطبوا ودها كل ساعة لقوة أساطيلها وجيوشها.
وقد ظهر في حرب چناق قلعة الأخيرة مثال من ترقي بحرية الحلفاء ، ونموذج من ترقي جيش العثمانيين ، واستبسال قوادهم وضباطهم وأفرادهم. وفي مغادرة الحلفاء ذاك الشاطئ بعد أن أضاعوا زهاء مئة ألف من جنودهم مدة حربهم عليه سنة وزيادة اعتراف ضمني للعثمانيين بتفوقهم بجيوشهم البرية ، وأن العسكري التركي من خير جنود الأرض صبرا وإقداما على الموت.
قصورنا في البر والبحر :
ومن الغريب أن أهل الساحل ، ومنهم قسم يفتخر بأنه من نسل الفينيقيين سادة البحار ، لم تتعلق هممهم على كثرة ما بلغه الشامي من درجات الغنى والتمدن في مهاجره ، أن ينشئوا لهم أسطولا تجاريا صغيرا على النحو الذي تفعل أضعف الشعوب لتغدو وتروح على الأقل بين سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر والبحر الأسود ، يحملون عليها متاجرهم وينقلون قاصديهم وأبناءهم ، ويعتمدون عليها في نقل صادرات القطر ووارداته ، على الصورة التي كانت لليونان قبل أن ينادوا باستقلال بلادهم منذ نحو مئة سنة ، فكان لهم أسطول تجاري قلبوه أسطولا حربيا يوم استقلوا. وأغرب من هذا أن يقال للقطر الشامي إنه مستقل ، وما شوهدت قط في قديم ولا حديث ، أمة مستقلة لا أسطول لها ولا معسكر. وهذا من أغرب ما يدونه المدونون ، من أخبار هذه القرون. ولا سبب لذلك إلا أن بعض أهل الساحل يفضلون أن يعيشوا عبيدا على أن يعيشوا سادة مستقلين ، وكانوا يرون أن فرنسا حاميتهم والمحمي أبدا مقطور في ذنب حاميه.